رأي

بين التعسف الإداري وغياب العدالة: مأساة حظر الجوازات وحرمان المواطنين من حقهم الأساسي في التنقل

بقلم: عمار سعيد

في يوليو من العام الماضي، توجهتُ إلى سفارة بلادي، جمهورية السودان، في العاصمة القطرية الدوحة، بغرض تجديد جواز سفري وجواز سفر ابنتي. ورغم أن جوازي كان لا يزال ساري المفعول لستة أشهر، فضّلتُ تجديده مبكرًا تحسبًا لأي طارئ، ولتفادي الازدحام أو تعطل ماكينات الطباعة، كما هو شائع في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. قمت بإتمام كافة الإجراءات القانونية، دفعت الرسوم، واستلمت إيصال الاستلام، ومضيتُ في انتظار صدور الجواز الجديد.

وصل جواز ابنتي خلال الفترة المتوقعة، لكن جوازي لم يصل، وبدأت معاناتي التي لم تكن في الحسبان.

راجعت السفارة عدة مرات، وكنت أتابع بانتظام عبر موقع الجوازات التابع لوزارة الداخلية، دون أن تظهر لي أي بيانات تفيد بأن الجواز تحت الإجراء أو في مرحلة الطباعة. وكلما سألت، قيل لي: “ربما حدث خطأ تقني أو تطابق أسماء، عليك الانتظار”. ولكن الواقع أن الانتظار طال، وتجاوز الشهرين، في وقتٍ استلم فيه من قدموا بعدي جوازاتهم دون تأخير.

بدأت أبحث عن الأسباب الحقيقية، وحين تواصلت مع بعض المعارف في مدينة بورتسودان – حيث تتم طباعة الجوازات – جاءتني الإجابة الصادمة: هناك حظر على استخراج جواز سفري، وحظر على الرقم الوطني، بل وحظر صادر من النائب العام، رغم أنني لا أحمل أي سجل جنائي، ولم أرتكب مخالفة قانونية، ولم أُستدعَ للتحقيق أو أُبلغ بأي تهمة. كل ما فعلته، أنني صدحتُ بكلمة حق في وجه سلطان جائر، مثل آلاف السودانيين الذين طالبوا بمدنية الدولة، واحترام كرامة الإنسان، ودولة القانون.

ورغم إعلان رسمي – منسوب إلى مكتب القائد العام نفسه – بإلغاء حظر استخراج الجوازات، لم يتغير شيء. بقي القرار حبيس التصريحات الإعلامية، ولم تُفعّل الآلية التنفيذية لرفعه. لم تُنشر أي قوائم بأسماء المحظورين، ولم يُبلغ المواطنون بسبب هذا الحرمان القاسي من حق أساسي كفلته الدساتير والمواثيق الدولية: حق التنقل.

إن منع إصدار أو تجديد الأوراق الثبوتية، وعلى رأسها الجواز، يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. هذا الإجراء لا يُصنّف إلا كنوع من العقاب السياسي، ويجسّد عقلية الدولة الأمنية التي ترى في كل معارض خصمًا يستحق الإقصاء، ولو على حساب حقوقه الأساسية.

لقد تسبب هذا التعسف الإداري في أضرار بالغة لي شخصيًا: أُعيقت إجراءات سفري لبعض الدول، وتضررت مصالح شخصية ومهنية، وتأثرت خططي المستقبلية، وتكبدتُ خسائر لم يكن لها داعٍ سوى سوء النية وتغوّل السلطات على حقوق المواطنين.

أطالب ومعي كل مظلوم يعيش ذات المعاناة – بوقف هذه السياسات الانتقامية فورًا، وإلغاء الحظر غير القانوني، ومحاسبة كل من ساهم في تعطيل مصالح المواطنين. كما أدعو المنظمات الحقوقية والجهات الأممية وسفارات الدول الصديقة إلى تسليط الضوء على هذه المأساة التي لا تخصني وحدي، بل تمس مئات وربما آلاف السودانيين الذين وجدوا أنفسهم فجأة محرومين من أبسط حقوقهم.

لسنا مجرمين، ولسنا حملة سلاح، ولسنا دعاة عنف. نحن فقط نريد دولة تحترم إنسانها، وتصون حقوقه، وتُعامل المواطن بمعيار القانون لا الولاء.

حين يصبح الجواز  الذي هو وثيقة شخصية بحتة – أداة للضغط السياسي، نكون أمام دولة لا تُحترم فيها الكرامة، ولا تُصان فيها الحقوق. وما لم يُكفّ عن هذه السياسات القمعية، فإن ثقة المواطن في مؤسسات دولته ستظل تتآكل، وستظل الفجوة تتسع بينه وبين وطنٍ يحلم به ولا يجده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!