
في مقاله المعنون بـ (من هم الأعداء؟)، لم يكن عثمان ميرغني بصدد الإجابة عن السؤال، بل التهرب منه. كتب عن الكوليرا، دون أن يكتب عنها فعلاً. لوّح بها من بعيد، كمن يضع عود ثقاب قرب برميل بارود، ثم يهرب ليحدّثنا عن أهمية (الإطفاء الجماعي).
قال إن (المئات يرقدون في العراء)، لكنه لم يقل لنا من قصف المستشفيات، ولا من عطّل المنظمات، ولا من أفرغ المدن من الحياة.
أشار إلى (ملايين يعتصرهم الجوع والعطش)، لكنه لم يشر إلى من منع وصول الإغاثات، ومن يبيع الطحين مقابل الولاء، ومن يحوّل الدواء إلى غنيمة حرب.
ثم، وكأن شيئاً لم يكن، ينتقل بنا فجأة إلى الحديث عن (بشارة) تعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء!
هل كان المقال عن الكوليرا؟ عن الحرب؟ عن الجوع؟ أم عن تلميع خطوة سياسية في لحظة وطنية مشوهة؟
بل لنسأل مباشرة:
هل عثمان ميرغني خائف من تسمية المجرمين؟ أم أنه فقط لا يرى الجريمة حين تكون بحجم وطن؟
إن اختزال ما يحدث في السودان إلى (سجال بين الكيزان والقحاتة) ليس رأياً، بل تزوير فج. فالسودان اليوم ليس في مناظرة، بل في مجزرة. والساحة السياسية ليست حلبة أفكار، بل ساحة للدم، تحكمها مليشيات، وأمراء حرب، وتجار فوضى.
حين يكتب عثمان عن الكوليرا كـ (رمز للمعاناة)، لا كجريمة صحية لها فاعلون وأدوات وبيئة مصنوعة عمداً، فهو لا يكتب في الحقيقة عن الكوليرا، بل عن خوفه منها.
ربما يخشى أن تصيبه الكوليرا… لا في جسده، بل في قلمه.
لأن من يكتب عن الكوليرا في السودان اليوم، عليه أن يواجه (الوباء الحقيقي):
الجبن.
الصمت.
وتمجيد الأكاذيب.
manal002002@gmail.com