رأي

الحزب الشيوعي .. ديالكتيك المواءمة بين الكيزان وقوى الثورة

د. موسى الأمين حمودة

المعلوم ان كل قوى الثورة المدنية والسياسية و فئات مهنية ونقابية وروابط كلها مجمعة تصطف في خندق واحد لمواجهة سياسات حزب الحركة الاسلاموية والكيزان وجماعة المؤتمر الوطني التي أسست لحروب السودان وفصلت جنوبه وفاقمت من أزمات البلاد الاقتصادية والسياسية وفشلت في ادارة التنوع والتوزيع العادل للسلطة والثروة.وفي سبيل ذلك قدمت قوى الثورة تضحيات جسام ونضال طويل منذ انقلاب الانقاذ المشؤوم الذي بدد مؤسسات الدولة ومكن عناصرها في مفاصل السلطة والجيش. عملت سلطة المؤتمر الوطني على التنكيل بالسياسيين وقمع الحريات والصحفيين والإعلاميين، ولكن برغم ذلك ظلت القوى المدنية والشباب يتقدمون الصفوف ويقاومون سلمياً حتى سقط نظام الحركة الاسلاموية عبر ثورة شعبية سلمية في ١١ ابريل ٢٠١٩م.

عقب سقوط سلطة المؤتمر الوطني عملت القوى السياسية والمدنية على الانتظام في تحالف عريض سُمي “بتحالف الحرية والتغيير “. التحالف كان يضم كل قوى الثورة التي ظلت تعارض حزب المؤتمر الوطني والحركة الاسلاموية ومن بينها الحزب الشيوعي. وعندما بدأت هذه المكونات السياسية في تشكيل هياكل السلطة المدنية الانتقالية بقيادة السيد عبد الله حمودك، بدأ الحزب الشيوعي يتلكأ وينفض يدخ عن العمل مع هذا التحالف.ما يعاب على الحزب الشيوعي بأنه أسهم في عرقلة الفترة الانتقالية برفضه الحلول الوسطية وإصراره على فرض رؤيته الخاصة بجانب رفضه ايضاً لدور الوسطاء الاقليميين والمحليين والدور الايجابي للمجتنع الدولي في دعم استقرار السودان متهماً قوى الثورة بأنها لجأت إلى تطبيق برامج وسياسات التبعية الخارجية مما جعل الأزمة مستمرة وكأنه لم يحدث تغيير.

ظل الحزب الشيوعي في خانة الممانعة السياسية ومخاشنة قوى الثورة ومهاجمتها اعلامياً مما عمل شللاً إرادياً في الأداء السياسي لطرفي “قحت” وعلى النقيض شكل الحزب الشيوعي جسماً منفصلاً عمل على تكوين تحالف منفصل اسماه “قوى تحالف التغيير الجذري “من خلال سردية تقوم على اتهام طرفي “قحت” بأجندة الهبوط الناعم، لكن سرديته هذه تبدو مؤشراً واضحاً إلى إعاقة توحيد قوى الثورة، فهي سردية أدت بهذا الحزب إلى وصف ما جرى يوم 11 أبريل 2019 من سقوط للبشير بأنه انقلاب وكأن لم تكن هناك أصلاً ثورة جماهيرية جسورة ضغطت باتجاه إسقاط البشير.وهو نأي لا يمكن تفسيره سوى أنه قصور عن رؤية المعادلات وموازين القوى التي تحرك مجريات الواقع السياسي السائل.

يراهن الحزب الشيوعي على”أن استقرار السودان يعتمد على شرطين، الأول استدامة الديمقراطية والثاني أن يتم التخلص من التبعية الخارجية، وهذا هو التغيير الجذري الذي يمثل الحل الأمثل والمستدام للمشكلة السودانية القائمة منذ استقلاله”، ولكن لم يذكز الاليات التي من خلالها يتم احداث هذا التغيير في ظل استمرار هذه الحرب وتعدد الجيوش وتفريخ المليشيات التابعة للجيش مع العلم ان الحرب أسبابها سياسية محضة.فأن هذة الرؤية الغامضة تعكس عجز الحزب السياسي وانسداد تفكيره الايجابي بعدم تداركه لهذا الواقع المعقد والمرتبك في انسداداته ومعادلاته السياسية والعسكرية الضاغطة لا يمكن ان تُحل الا عبر تسوية تسمح بالتفكير ملياً نحو تنسيق وازن مع المجتمع الدولي المتعاون قد يمكنه جبر ذلك الضعف وان يلعب دوراً ايجابيا نحو توافق السودانيين بتقديم التدابير والورش والامكانيات التي تهيأ لهم الجلوس مع بعض لوقف الحرب وعودة النازحين واللاجئين لاوطانهم وإصلاح واعمار ما دمرته الحرب.فهذا مما يدل بوضوح على أن الحزب الشيوعي إما حزب يعيش خارج التاريخ أو إنه حزب يظن في نفسه قدرة أسطورية على تحقيق التغيير الجذري.

أن يعتمد الحزب الشيوعي السوداني على التغيير الجذري وهو يدرك أن سنوات الإنقاذ الـ30 رهنت إمكانات السودان وثرواته ومقدراته لمقايضات معيبة نجمت عنها تدخلات قوى إقليمية أصبحت لها، بحكم واقع الدعم المالي لنظام الإنقاذ، استحقاقات لا يمكن القفز على متطلباتها إلا بالحكمة والعقلنة السياسية للمصالح، فذلك قصر نظر فادح في الوعي السياسي والعجز عن الخبرة في تدابير عمل سياسي معقد تقتضيه أوضاع مأزومة كالأوضاع المريعة التي خلفها نظام عمر البشير وأورث كوارثها للشعب السوداني.

ويري كثيرين ان موقف الحزب الشيوعي صاحب التغيير الجذري يبدوا متماهيا مع دعاة الحرب والحركة الاسلامية التي أوقدت نار هذه الحرب. هناك تقارير متوارده عن وجود قيادات شباب ونشطاء للحزب يصطفون في خندق الجيش والدواعش والقتال بجانبهم في هذه الحرب التي خططت لها قيادات الحركة الاسلامية.

ان ضبابية موقف الحزب الشيوعي منذ ابان تشكيل حكومة الثورة عقب سقوط نظام الانقاذ ورفضه لكل محاولات قوى الثورة للحوار والعمل في خندق الثورة برزت تفسيراتها اليوم باصطفاف الحزب الشيوعي مع جماعة بل بس والعمل على اطالة امد الحرب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!