حوارات

حوار: القيادي والناطق الرسمي باسم (صمود) دكتور بكري الجاك

تحالف قوى مدنية مع أحد أطراف الحرب، يهزم قدرة المشروع المدني في استعادة المسار الديمقراطي ، والحرب خلقت انقسامات اجتماعية حادة

حوار: التنوير

مجموعة من التساؤلات وضعتها (التنوير) أمام القيادي والناطق الرسمي باسم صمود دكتور بكري الجاك، تتعلق حول مآلات إدارة الحركة الإسلامية وعجلة الصراع وكيف يبدو مستقبل السودان والسودانيين؟ وموقع نظرية الهامش والمركز من الأحداث الآن، وقدرتها على تفسير الصراع التاريخي في السودان، كما تحدث د. الجاك عن مسببات حرب الخامس من أبريل التي مازالت محل مغالطة لدي الكثير من السودانيين، بكري الجاك يُدلي بشهادته وتقييم مؤتمر تأسيس بنيروبي في مارس ٢٠٢٥ وتداعياته المستقبلية علي العمل الجماعي وعلي الوطن.. مجموعة من التساؤلات نطالعها من خلال الحوار

بداية.. اندلاع حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣ ، وكل ما ترتب عليها من تداعيات لم يسبق لها مثيل على امتداد تاريخ السودان الحديث ، الا أن مسببها وأسبابها لا زالت محل مغالطة لدي الكثير من السودانيين، ما هي شهادتك للتاريخ حول هذه المغالطة، كأحد أبرز قادة الرأي السياسي في السودان؟ 

حرب ١٥ أبريل إذا نظرنا عبر تاريخ الحروب، عبارة عن منظومة اجتماعية وسياسية معقدة ولا توجد حرب يمكن أن تعزيها لسبب واحد، لكن دائما توجد القشة التي تقصم ظهر البعير، الدولة السودانية بها اختلالات بنيوية لم تستطع أن تعبر عن طموحات وتطلعات كل السودانيين، وظلت على الدوام في ظل أنظمة مختلفة دكتاتورية وشمولية ولا ديمقراطية، تتخذ فيها العنف لمواجهة الناس التي تطرح أسئلة في البدء تكون سلماً وفي النهاية تكون بالبندقية، وبدلاً من إدارة حوار موضوعي لمعالجة اختلال البنيوية السودانية، الدولة كانت تلجأ لما يسمى بحروب الأمام بخلق المليشيات ومواجهة الأعداء، وأصبحت واحدة من الظواهر فوجدت ظاهرة ضعف لمؤسسات الدولة، أحدها متمثل في ضعف الجيش، فالحرب هي مجموعة عوامل لكن العامل الحاسم فيها هو بقاء بقايا النظام القديم، من إلتحاف المال والسلطة بالإسلاميين فظلوا طوال المرحلة الانتقالية في عمل لإفشال السلطة الانتقالية، تارة بالخروج إلى الشارع وتارة بغلق الموانئ وتارة بخلق الفتن القبلية في أطراف السودان، وأخيراً الانقلاب وحين لم يتيح لهم الانقلاب تشكيل حكومة كانت المواجهة المسلحة بين مجموعتين هما من صنع نظام الإنقاذ، وهذه مجموعة عوامل لكن يمكن القول بشكل مباشر أن المستفيد من الحرب الآن، والذي لديه رغبة الرجوع للسلطة من بقايا الإسلاميين، هم إلى حد كبير المسؤولين عن الصدام والحرب وهم المستفيدين منها لان لديهم مشروع سياسي يفكرون أنه يجب أن يعودوا للسلطة بالقوة.

“تحالف قوى مدنية مع أحد أطراف الحرب، يهزم قدرة المشروع المدني في استعادة المسار الديمقراطي ، والحرب خلقت انقسامات اجتماعية حادة”

تزامن اندلاع الحرب في السودان، مع شغلك لعدة مهام في تحالف الحرية والتغيير، وكان آخرها منصبك كناطق رسمي لآخر صيغة للتحالف. إلا أن الآداء المتواضع، وربما الغائب تماما، لهذا التحالف اصاب الكثير من جماهير ثورة ديسمبر بخيبة أمل كبيرة في هذا التحالف. بكل صدق وتجرد هل انت راض عن ما تلعبه ويلعبه تحالف صمود من أدوار؟ 

للأمانة لم أكن في الحرية والتغيير ضمن حزب، ولكن داعم للمرحلة الانتقالية وعلاقتي بالعمل السياسي المباشر انتهت قبل أكثر من ٢٣ عاما، ورجعت للاشتغال بالعمل المدني فيما بعد الحرب بتأسيس مجموعات صغيرة متعددة بعد إعلان المبادئ، وأخيرا أصبحنا جزء من تأسيس تقدم، وصحيح كنت من القيادات في (تقدم) وناطق رسمي لها، لكن هنالك إشكالات كثيرة متعلقة بطبيعة المرحلة الإنتقالية، وهنالك ضعف أداء لا يستطيع أحد أن ينكره، كان هناك ضعف آداء سياسي وضعف قدرات، وإشكالات لكن للأمانة لم يكن منفصل عن الضعف العام في البنية السياسية، فمن كانوا يحكمون سواء البشير أو غيره أقل ضعفاً في القدرات أو الفهم، لكن التركيز على القوى المدنية لأن الناس كانوا يتعاملوا معها كطوق النجاة، ومن لديه العصا السحرية التي تحل مشاكل البلد بضربة واحدة ولهذا يكون هناك قسوة بالحكم عليها أكثر من الموضوعية.

مع استمرارية تطورات وتعقيدات الصراع ظلت هنالك علي الدوام محاولات حثيثة محلية وإقليمية ودولية تبذل لرأب الصدع، ولكن اهمها علي الإطلاق ، مؤتمر تأسيس بنيروبي في مارس ٢٠٢٥ . وعلي الرغم من أن هذا الحدث سبقته تصدعات مؤلمة اصابت جسد تحالف تقدم. بكل موضوعية ما تقييمك لمخرجات مؤتمر تأسيس وما هي تداعياته المستقبلية علي العمل الجماعي وعلي الوطن؟

مع استمرارية تطورات وتعقيدات الصراع، هنالك دوما محاولات حثيثة محلية ودولية لرأب الصدع، والمواقف السياسية في السودان ظلت محل تحولات كبيرة، خاصة في مسألة التحالفات وبنائها، أنا بالنسبة لي تحالف (تأسيس) كفكرة هو إيجابي، لأن جزء كبير من القوى التي كانت بالضرورة تحالف هامش لكن تحالف قوى سياسية عريضة من السودان وصلوا لتفاهمات، وبالنسبة لي مأخذي ليس على الوثائق التي أوجدت في نيروبي، لديها قيمة موضوعية من حيث المبنى والشكل، لكن من قبل في تاريخنا كتبنا دستور عام ٧٤ وكان عظيم ودستور ٢٠٠٥ وكل الناس كانت تفتكر بأنه لحد كبير عالج مسألة صراعات الهوية وعلاقة الدين بالدولة، فالمسألة مسألة تقديرية فالموضوع ليس الوثائق ولكن هو السياق السياسي، في تقديري تحالف قوى مدنية مع أحد أطراف الحرب، يهزم قدرة المشروع المدني في أنه يلعب دوره التاريخي في استعادة المسار الوطني الديمقراطي لرأب الصدع، وهدم الهوة بين السودانيين لأن الحرب خلقت انقسامات اجتماعية حادة، ولا توجد جهة تستطيع فعل هذا الأمر سوى قوى مدنية مستقلة تماما ، فعندما تنحاز القوى المدنية مع أطراف الحرب، فعمليا أن الفضاء المدني حولته لفضاء مستخطف ليس لديه القدرة على التحرك، لهذا نفتكر أن التحالف مع أحد الأطراف العسكرية بالإضافة إلى الحديث عن تشكيل حكومة، كأنما هي عصا سحرية كأنما الخلاف الوحيد هو في الأدوات، ونحن أناس لن نتبنى كأدوات عمل مسلح ومعظم القوى المدنية قوى مستقلة، ليس لديها سلاح ولا أعتقد تشكيل حكومات يعالج الجوهر من اختلالات بنيوية، أصبحت الحرب أكبر تجلي لها عبر التاريخ، فالتقييم من حيث الرؤى والشكل ليس في أن هذا لا يخاطب قضايا السودان ومشاكله، لكن الحديث في كيف ينفذ وما هي أدواته، تظل محل محاصصة تاريخية، وفي النهاية الهم كله هو الوصول لسلام واستعادة المسار الوطني الديمقراطي واستعادة الدولة السودانية دوما هم مشترك، ويفترض أن الجميع يجب أن يفكر في كيف نصل للهدف وليس من يصل وكيف يصل، وهناك تباين تجاه الوسائل في مسألة وسائلها الأخلاقية وعلاقة الوسائل بهذه الأهداف.

“الدولة السودانية بها اختلالات بنيوية لم تستطع أن تعبر عن طموحات وتطلعات كل السودانيين”

كواحد من القادة السياسيين الذين يقعون من ناحية جغرافية وتنموية ضمن نطاق ما يعرف بسودان الهامش، برأيك، هل لا زالت جدلية الهامش والمركز تصلح كواحدة من النظريات التي يمكنها ان تقدم تفسير وحلول للصراع التاريخي في السودان؟

بالطبع، جدلية المركز والهامش ومنهج التحليل الماركسي هي أدوات لفهم الواقع، وفهم الواقع يساهم في كيفية خلق الحلول، لكن الحلول نفسها معقدة فالحلول تصبح مشاكل، فإذا قلنا بأن نظرية المركز والهامش تتحدث عن أن هناك إعادة تنمية متوازنة، وأن هناك إقصاء وأن الدولة يسيطر عليها بواسطة مجموعة ثقافية، وعلاقة السلطة بالثروة، وأن هذه المجموعة الثقافية هي المهيمنة اقتصادياً وسياسياً هذا هو المفهوم، وطبعاً بنفس المفهوم الماركسي يمكن أن تكون مجموعة حتى إن أخذت عرق واحد، لديها امتداد طبقي، فالموضوع ماهي الحلول الممكنة، وأقول الحلول الممكنة هي في الوصول إلى دولة تنموية عادلة في رؤيتها للتنمية المتوازنة، وفي تعاملها مع المجموعات السودانية خاصة في علاقة الدين بالدولة، وفي مسألة الهوية والانتماء الإثني، وهذه المعادلة في أي مكان في العالم المدخل لها هو نفس تصميم سياسات عامة تفيد هذا التعدد والتنوع، وتحسن إدارة التنوع وبنفس المستوى تخلق ظروف اجتماعية من مناهج تعليم ومعايشة وسياسات اقتصادية، كفيلة بأنها تقرب المجتمع ببعضه ليكون هناك مشتركات تعبر عن الهوية الوطنية لكل السودانيين، وبغض النظر عن ما هو منهج التحليل لا يوجد من يمكنه الإجابة بحلول خارج هذا الإطار، عدا المتطرفين الذين يعتقدون أن الحل الطبيعي للعدل أن تكون هنالك ملكية عامة لعمل انقلاب ومصادرة الملكية الخاصة، وتقوم بتوزيع الموارد، وهذا قد انتهى بشموليات وبيروقراطية فاشلة، والتاريخ ليس لديه استعداد ليعود لهذه المحطة، لكن يمكن أن يكون هناك أشكال خلاقة تعالج مسألة الحريات والعدالة والديمقراطية، بنفس المستوى لا تذهب لمستوى التطرف لتطبيق مناهج شيوعية بمعنى أن الملكية العامة للموارد وأدوات العمل فهي رؤية مثالية ولكن لا ننتهي بشمولية تهزم فكرة العدالة ذاتها.

“جدلية المركز والهامش ومنهج التحليل الماركسي أدوات لفهم الواقع، وفهم الواقع يساهم في كيفية خلق الحلول”

في ظل التنامي المطرد لدور الحركة الإسلامية في إدارة عجلة هذا الصراع، ما هي المألات التي تتوقعها لمستقبل السودان والسودانيين؟

مستقبل السودان ونحن في ظل واقع حرب انقسام وتقسيم، ويمكن أن يتحول لكارتيلات عسكرية مسيطر عليها بواسطة مجموعات مسلحة، ولوردات حرب في مناطق الصراع، لكن أعتقد السودان لن يعود إلى ١٤ أبريل ٢٠٢٣ مرة أخرى، مسألة ماذا سيحدث مرتبطة بعوامل كثيرة داخلية وخارجية، يمكن أن تحدث تسوية بين أطراف الحرب، ويمكن أن يتم إبعاد القوى المدنية، وتنصيب شكل من أشكال الشمولية وإن كان صعباً ويمكن أن يوجد محاولة طرف بفرض إرادة سياسية عبر الطرف العسكري، وهذا أيضاً يمكن أن يأتي بحلول غير مقبولة اجتماعيا لكل السودانيين، ويفتح الباب لمزيد من الاقتتال في مرحلة لاحقة، ويمكن أن يصل السودانيون لتفاهمات لتشكيل رؤية مشتركة فيما بينهم كقوى اجتماعية وسياسية لإنهاء الحرب، ويرغموا طرفي الحرب للقبول بهذا العقد الاجتماعي الجديد، ونبدأ في عملية فنية طويلة معقدة تبدأ من مسألة وضع الجيوش وبناء جيش مهني واحد، وبناء مؤسسات الدولة وهذه سيناريوهات محتملة لكن لا أحد يستطيع التكهن بما يمكن أن يحدث لأن ذلك به تشابكات داخلية وخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!