مصر وعدوانها المستمر .. دولة احتلال تتغذى من جراح السودان!

تحليل سياسي: التنوير
لم تعد الحرب في السودان مجرد صراع داخلي بين قوتين مسلحتين، بل تحوّلت إلى ساحة مفتوحة لتدخلات خارجية مصرية مكشوفة ومفضوحة، وهو تدخل لم يعد خفياً ولا يمكن تبريره.
إنها حرب قُدّت على مقاس مصالح القاهرة، واختلط فيها السلاح المصري بالدم السوداني، حتى باتت مصر ـ وبلا مواربة ـ دولة احتلال تتغذى من نار الخراب.
فقد أفصحت قوات الدعم السريع، عبر ناطقها الرسمي، عن أدلة مادية دامغة تُدين الحكومة المصرية. مركبات مدرعة، ذخائر، طائرات، مسيّرات، وأسلحة صنعتها القاهرة، ووجّهتها إلى صدور السودانيين، عبر قنوات الجيش السوداني ومليشياته. بل إن قادة من الجيش وقعوا في الأسر، واعترفوا دون مواربة بتورط مصر في رسم خطوط الإمداد، وتوفير التدريب والدعم الدبلوماسي والإعلامي والطبي.
وفي أغسطس من العام الماضي، وُثّق بالدليل القاطع تسليم مصر ثماني طائرات K-8 للجيش السوداني، والتي شاركت في قصف المدنيين في دارفور والخرطوم وسنار ونيالا والضعين ومليط والكومة. لم تكتفِ مصر بمدّ السلاح، بل وفرت قنابل أمريكية الصنع، بزنة 250 كغم، مزّقت منازل الأبرياء وأحالت الأسواق والمنشآت إلى ركام.
وحملت قوات الدعم السريع النظام المصري كامل المسؤولية عن هذه المجازر، ووصفت دعمه لنظام الخراب “الكيزاني” بأنه عدوان مباشر، يستدعي إدانة دولية وتدخلاً عاجلاً لوقف جرائمه ومحاسبة المتورطين.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُفضح فيها التدخل المصري. فقبل اندلاع الحرب بأيام، حاصرت قوات الدعم السريع مطار مروي وأفشلت خطّة مصرية كانت تهدف لضربها عبر طائرات رابضة على المدرج. واعتُقل ضباط مصريون، وتم بذلك إجهاض المشاركة المصرية المبكرة في الحرب، لكنها لم تتأخر كثيراً، إذ سرعان ما عادت القاهرة لتُسهم بفاعلية في القصف الجوي، لا سيما في جبل مويه بولاية سنار.
لقد بات الدور المصري في السودان أكثر من تدخل خارجي؛ إنه شراكة كاملة في الحرب، وإدارة مخططة للفوضى، مقابل مياه متدفقة شمالاً بلا حسيب أو رقيب، وذهبٍ سوداني لا ينضب، وأراضٍ زراعية بملايين الأفدنة، ومواشي مسروقة ، وأموال مزورة، واستحواذٍ تام على القرار السياسي في سلطة بورتسودان. مصر التي تعيّن الوزراء وتعزلهم، والتي ترسم السياسات وتُعيد إنتاج بقايا النظام البائد، لم تكتفِ بالدعم الإعلامي والسياسي، بل ترعى مشروع عودة الاستبداد مهما كان الثمن: دماء السودانيين وأشلاؤهم.
والواقع أن ما انكشف حتى الآن ليس إلا رأس جبل الجليد. فالمعلومات المسربة كفيلة بإدانة مصر بالتخطيط للحرب وتغذيتها، وهي تفعل كل ذلك لمنع ولادة نظام ديمقراطي تعددي في السودان، قد يهدد مصالحها في نهب الثروات والسيطرة على السيادة.
والأدهى، أن مصر لا تكتفي بإشعال الحريق، بل تمضي قدماً في طمس هوية حلايب، وفرض ثقافة دخيلة على سكانها الأصليين من قومية البجا، في محاولة ممنهجة للتمصير القسري، ضاربة عرض الحائط بالقوانين والأعراف والمواثيق.
إن مصر الرسمية اليوم، ليست جاراً شقيقاً، بل قوة احتلال صريحة تنهب، وتقصف، وتفرض، وتقتل، وتدمر.
وما لم تتوقف فوراً عن هذه العربدة السياسية والعسكرية، فستحصد ما زرعته. لن تبقى في مأمن، إن هي استمرت في تمزيق جسد السودان، وقتل شعبه وتشريده.
إن هذا العدوان الوقح يستوجب أكثر من الشجب، إنه يستوجب المقاومة والرد، فكما قال تعالى: “فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم”.
وسيأتي ذلك اليوم، قريباً لا محالة، فدوام الحال من المحال ، والأيام دول… والسودان، وإن جُرح، فإنه لا يموت.