
خطاب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) يمثل علامة فارقة في المشهد السياسي، وبالطبع فإن خطابًا استثنائيًا كالذي قدمه حميدتي بلا شك سيُحدث تحولًا في مجرى الأحداث ومسار التاريخ. وتكمن أهميته في أنه جاء في لحظة مفصلية دقيقة ومهمة من تاريخ أمتنا السودانية، ويُعد خطوة جريئة تحمل في طياتها أحلام وآمال الشعوب المقهورة والمتطلعة إلى فجر الخلاص من الظلم والتهميش، ووضع حدٍّ للأزمة السياسية المعقدة والمتطاولة التي صاحبت نشوء الدولة السودانية، والتي عمّقتها جماعات الهوس الديني باختطافها للدولة منذ انقلابهم المشؤوم في عام 1989م.
كلما أمعنتُ النظر والتفكير في سيرة ومسيرة الرجل، أدركتُ أنه يتميز بكاريزما تؤهله للقيام بأدوار عظيمة في تاريخ بناء وتأسيس الدولة السودانية، إذ إن جل خطاباته منذ اندلاع هذه الحرب اللعينة اتسمت بالشفافية، والمصداقية، والقوة، والبساطة، والإحاطة، والشمول، وامتازت بالحس الوطني الرفيع، والهمة، والمسؤولية الأخلاقية تجاه الشعب والوطن. وقد ظل يؤكد أن الثورة ماضية في تحقيق الحكم الراشد وكنس كل قوى الردة؛ فالرجل نطاس لا يضع مبضعه إلا ويكون الشفاء حاضرًا، إذ لا تحركه نوازع حزبية، ولا جهوية، ولا إثنية، وهو ما تتطلبه الحالة السودانية التي أقعدتها العنصرية، وخطاب الكراهية، والاستبداد، والفساد، والمحسوبية.
إن الحفاوة التي استُقبل بها خطاب السيد القائد هي حفاوة الزعماء ورواد التغيير والتحرر الوطني، فخطاب حميدتي احتوى على رسائل نبيلة، وبُشريات، وآمالٍ عِراض، ووعيدٍ لأعداء الوطن؛ فالرجل يخاطب الحاضر ويستشرف المستقبل، ويبدو أن ملامح تأسيس المشروع المدني تتخلق من ركام هذه الحرب.
عبارات ذات عمق دلالي، وإنساني، ووطني؛ ما أعمقها حين يقول: “لا تقتلوا أسيرًا، ولا تلحقوا أذىً بمواطن، ولا تمسوا حقوقه، ومن يفعل ذلك لا يمثلنا” — هذه ليست مجرد عبارات، بل هي مدرسة من القيم، والسلوك القويم، والنبيل، والروح الوطنية الوثابة التواقة لحفظ حقوق المدنيين، والمواطنين الذين ظلت تحصدهم ميليشيات البرهان وكتائب البراء الإرهابية، وترتكب فيهم أبشع المجازر، وتستخدم ضدهم الأسلحة الكيميائية، وكل أنواع الأسلحة المحرّمة دوليًا.
العبارة التي اهتزّ لها كل وجدان سليم هي: (التحقيق في حادثة دهس الأسير)، من أي طينة صُنع هذا الرجل الشجاع الجسور؟ نعم، لقد ظللتَ تنتصر بأخلاقك قبل أن تنتصر ببندقيتك. أعيدوا سماع خطاب السيد، ففي كل مرة ستكتشفون بُعدًا جديدًا في عمقه وتعاطيه الذي يبعث بالأمل لميلاد وطن تُصان فيه كرامة الإنسان. وأظنكم في كل مرة ستأخذكم فرحة نيوتن حينما اكتشف قانون الجاذبية مرددًا: “وجدتها، وجدتها!”.