رأي

شراكة الدم: هلاك أبناء العم .. رسالة إلى من يحملون السلاح من أبناء دارفور

منال علي محمود

نعلم أن حمل السلاح قد يكون شرفا حين يوجه لنصرة قضية عادلة ودرعا للكرامة والحق لكن لا شرف في أن يصوب نحو صدور أبناء العمومة ولا مجد في أن تدك دارفور بأيدي أبنائها

الزي الذي ترتدونه سواء أكان زي قوات الدعم السريع أو القوات المسلحة أو أي تشكيل آخر لا ينبغي أن يلبسكم تبعات لا تمثلكم فأنتم لستم قبائل أنتم جنود في وحدات عسكرية لها تسميات نظامية لا يجوز أن تقرن بأسماء القبائل أو العشائر

لم تعلن قبيلة واحدة في دارفور الحرب لم يجتمع الناس في الساحات ليختاروا الاقتتال لقد وضعت القبائل في مرمى النار وقسمت بوعي كامل من قبل منظومة حكم سابقة سخرت وحدة شؤون القبائل لتفتيت النسيج الاجتماعي فزرعت الشك بين الأهل والدم بين الجيران والخوف بين الإخوة

وحدكم أنتم من يملك الآن فرصة وقف هذا النزيف ليس عبر الانسحاب أو الهزيمة بل عبر الوعي بالمسؤولية وبأن مخاطبتكم لبعضكم البعض يجب أن تكون بلغة الانضباط العسكري لا بلغة الأوامر القبلية أو الرغبات السياسية فلم نسمع من قبل أن التماهي مع القبيلة أو امتهان السياسة كان من شرف الجندية لم يكن الجندي يوما زعيم عشيرة ولا الوسيط السياسي بلبوس قتالي

لكن لا يمكن تحميلكم وحدكم عبء الانهيار

فحين تعجز الدولة عن ترسيخ مفهوم المواطنة وتستبدله بمنطق الولاءات

وحين توقد النار عوضا عن إطفائها

وتختار تأجيج الخوف بدل احتضان الناس

فإنها لا تسقط فقط كدولة بل تسحب معها المجتمع كله إلى الهاوية

لقد فشلت الدولة في أن تكون حكما عادلا بينكم

فتحول كثير منكم دون إرادتكم إلى وقود في معارك لم تختاروها

ومجرد أدوات في حروب تدار من خلف الكواليس

كلفتم بالقتل دون هدف بالتمزيق دون بديل

وكلما ازداد عدد القتلى ازداد صمت العالم

لم نسمع في تاريخ الجيوش عن حواضن يجب دكها لمجرد أن قادة من الجيش خرجوا منها

لكن هذا المنطق بكل ما فيه من جنون طبق على دارفور وحدها

حين خرج ضباط من مناطق أخرى لم تصب مدنهم بالقصف ولم تدمر قراهم ولم تجعل النساء والأطفال هناك أهدافا مشروعة

فقط في دارفور يصبح الانتماء الجغرافي تهمة

ويعامل السكان كأنهم امتداد طبيعي لقادة سياسيين أو عسكريين

وينفذ العقاب الجماعي باسم الأمن القومي بينما يطبطب على آخرين باسم الوطن الواحد

وعندما يتم إطلاق الكيماوي فهو لا يميز بين الحواضن ولا بين القادة بل يساوي بين كل سكان الإقليم بغض النظر عن انتماءاتهم أو مواقفهم هذا هو عدل المركز تجاه دارفور العدالة التي لا تفرق ولا تميز لكنها عدالة القهر والدمار

هذا هو الكيل بمكيالين في أبشع صوره

وهذا ما يجعل الحرب في دارفور ليست مجرد نزاع عسكري بل جريمة تمييز معلنة

دارفور ليست ساحة للانتقام

دارفور ليست ثأرا قديما يصفى على أرضها ولا مختبرا لصراعات المركز وأطماعه كل بندقية ترفع هناك اليوم تسقط جدارا من الثقة وتمحو سطرا من التاريخ المشترك وتفتح بابا جديدا للثأر لا يغلق

دارفور ليست غنيمة لأحد ولا مستودعا للمقاتلين هي بيتنا الكبير الذي إن احترق فلن ينجو منه أحد

احذروا أن تتحولوا إلى مجرد أوراق تفاوض في ملفات لا تكتب أسماؤكم فيها أصلا احذروا أن تصدقوا أنكم أبطال لأنكم صمدتم في معركة خاسرة من بدايتها فالحقيقة أن دارفور كلها تخسر حين يقتل الأخ بيد أخيه

إلى العقلاء من كل الأطراف

نحن بحاجة إلى شجاعة من نوع جديد شجاعة تقول لا عندما يكون الصوت الأعلى يقول نعم للدم

شجاعة تكسر أوامر الطغاة لا الأعناق

لقد رأينا ما يكفي من القتلى رأينا قرى تحترق وأطفالا يذبحون ونساء يغتصبن وشيوخا يطردون من بيوتهم فهل هذا ما نريد توريثه هل هذا هو المجد

إن دارفور لا تحتاج إلى مزيد من البنادق بل إلى مزيد من الضمائر

كلمة أخيرة

احموا دارفور من أن تصبح أرضا بلا أهل وغربا بلا غرباء وتاريخا بلا مستقبل

أنتم الحصن الأخير أمام الانهيار الكامل فلا تسمحوا بأن تسرق دارفور من وجدانها ولا أن تختزل في مشهد الدم لا تكونوا أعداء لأنفسكم ولا شهود زور على خراب لا يبقي ولا يذر

اختاروا أن تكونوا صوت العقل في زمن الجنون وأن تحموا ما تبقى من خيوط تربط الناس ببعضهم لا أن تقطعوها فإن ضاعت هذه الخيوط ضاع كل شيء الأرض والكرامة والمستقبل

دارفور لا تحتاج إلى من ينتصر عليها بل إلى من ينتصر لها

كونوا أوفياء للتاريخ لا أسرى للحظة ولتكن لكم الكلمة الأخيرة لا الرصاصة الأخيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!