رأي

الحرب تمضي .. وحكومة التأسيس ما زالت غائبة!

نجم الدين دريسة

يردد بعض المثقفين سردية مفادها أن الحرب في السودان ما هي إلا صراع على السلطة بين جنرالين، وهو توصيف – في تقديري – مخل ومجافٍ للمنطق والموضوعية. فتاريخ الحروب في السودان قديم قِدم الدولة ذاتها، وهو تاريخ معقّد تتشابك فيه العوامل الداخلية والخارجية.

 

فالدولة السودانية التي نشأت بعد الاستعمار تشكّلت على أسس هشة، عمّقتها سياسات “فرّق تسد”، والتهميش الممنهج لمكونات واسعة من المجتمع. كما استُخدمت آليات السلطة لتزييف الوعي العام، وجرى تسويق الدولة القومية على أنها كيان موحد، بينما هي في حقيقتها لا تمثّل إلا مصالح وامتيازات ضيقة، غالبًا ما كانت مرتبطة بأجندات خارجية سعت لاستغلال ضعف الدولة وبنيتها المختلة لبسط الهيمنة السياسية والاقتصادية.

 

هذه البنية المختلة أدّت إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي المزمن، ودفعت أطيافاً واسعة من الشعب السوداني للاحتجاج على العقلية المركزية القابضة التي أهدرت فرصًا حقيقية لبناء دولة فاعلة قادرة على حجز موطئ قدم لها بين الأمم.

 

ومن الحقائق التاريخية التي لا تخفى على أحد، أن الجيش السوداني نشأ قبل قيام الدولة بثلاثة عقود، وكان تكوينه في عشرينيات القرن الماضي محصوراً في قيادات تنتمي لمكونات اجتماعية محددة، سخّرته لأغراض سياسية، ما جعله عرضة للاختطاف والارتهان لعقود طويلة. وبعد انقلاب الجبهة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي، أصبحت الكلية الحربية تُخرّج ضباطًا على أساس الولاء السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين، مع الإبقاء على نفس البنية الإثنية القديمة، وإدخال عناصر محدودة من خلفيات أخرى لتجميل المشهد لا أكثر.

 

ومنذ ذلك الانقلاب المشؤوم على حكومة الثورة المجيدة في ديسمبر، ظلت جماعة الإسلاميين تسعى إلى إفشال أي جهد حقيقي لوقف الحرب، لأن استمرارها يمثل وسيلتهم الوحيدة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، واستعادة سلطتهم عبر القمع الوحشي، وارتكاب المجازر، واستخدام الأسلحة المحرّمة دوليًا – بما في ذلك الأسلحة الكيميائية والبيولوجية – ضد شعب ثار على طغيانهم.

 

أما قوات الدعم السريع، فقد تبنّت – منذ انحياز قائدها للثورة – موقفًا مؤيدًا للتغيير. فقد اتخذ القائد حميدتي آنذاك موقفًا بطوليًا، حين رفض تنفيذ خطة الدولة لتصفية الثورة وقتل نصف الشعب، وكان وعيه وبصيرته وشجاعته طوق نجاة للثورة السودانية، ولولاه لما كنا نتحدث اليوم عن ثورة ديسمبر.

 

ورغم محاولات متكررة لشيطنة قوات الدعم السريع والزجّ بها في صراعات مع الشعب، فإنها بقيت – حتى الآن – متموضعة في مواجهة عقلية الدولة المركزية القمعية، وعلى رأس أدواتها “جيش ونجت” الذي ظل على الدوام عائقًا أمام تطلعات السودانيين في الحرية والعدالة والمساواة.

 

 

تغذّي هذه الحرب كذلك عوامل أخرى، منها العنصرية، وخطاب الكراهية، والتدخلات الخارجية، وعلى رأسها التدخل المصري الذي ظل يؤجج الأزمات في السودان تحت ذرائع الأمن القومي. وقد نجحت مصر – لسنوات – في استغلال موارد السودان وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب أمن واستقرار الشعب السوداني، وسط صمت دولي مطبق.

 

إن هذا الواقع الكارثي – من انهيار السلطة، وتوقف الخدمات، وتدهور الجهاز المصرفي، وغياب النظام القانوني – يستدعي من تحالف السودان التأسيسي الإسراع في إعلان الحكومة المرتقبة، التي ينتظرها الشعب بفارغ الصبر.

 

صحيح أن هنالك تحديات وصعوبات في تحقيق التوافق، لكن الوقت لم يعد يسمح بمزيد من الانتظار. ونأمل ألا تكون المحاصصات الحزبية هي معيار تشكيل الحكومة، لأن استحضار عقلية الدولة القديمة يعني إعادة إنتاج نفس الفشل.

 

همس الشارع:

الحكومة اتأخرت… الحلة ما نجضت ولا شنو؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!