
منذ فجر الاستقلال، لم تكن دارفور مجرد إقليم جغرافي على أطراف السودان، بل كانت مسرحًا لصراعٍ معقّد بين المركز والهامش. لم تكن الحرب في دارفور فقط حربًا بالسلاح، بل كانت أيضًا حرب هوية ووجود، حرب انتزاع الحقوق وتغيير الوعي العام. كانت دارفور دومًا رقماً صعباً في معادلة السودان، ولكن العقل المركزي اختار أن يتعامل معها كعبء لا كجزء أصيل من الوطن.
في وطنٍ لم يخض حروبًا خارجية طوال تاريخه الحديث، شهدنا كيف نزح الملايين من ديارهم الأصلية إلى معسكرات النزوح داخل حدود دولتهم. تحوّل الإنسان الدارفوري من فاعل ومنتج في أرضه إلى متلقٍ للإعانات، لا يملك خصوصيته ولا قراره، ولا حتى سقفًا يملكه، جيل كامل وُلد وتربى داخل المعسكرات، لم يعرف غير لغة الإغاثة وثقافة الانتظار. انتقلت دارفور من حالة الاكتفاء الزراعي والرعوي إلى حالة من العجز المفروض، نتيجة سياسات ممنهجة صمت عنها الجميع.
هذا التحوّل لم يكن محض صدفة أو نتيجة حرب مفاجئة، بل هو نتيجة مسار طويل من الإقصاء والتهميش. كانت الحكومات المركزية ترى في دارفور مخزونًا بشريًا يمكن الاستفادة منه وقت الحاجة، سواءً في الحروب أو الانتخابات، لكنها لم تكن ترى في أهلها شركاء في التنمية أو صناع قرار. ولذلك، لم تُبذل أي جهود حقيقية لإنهاء أسباب التهميش، بل كانت هناك سياسة واضحة لتكريس التبعية.
ولم تكتفِ السلطة بذلك، بل أصرّت على تكريس التهميش بشكلٍ مباشر من خلال اشتراط ذكر القبيلة في كل تعامل مع الدولة، خاصة في الوظائف الحكومية أو فرص الالتحاق بمؤسسات التعليم والخدمة المدنية. هذه الممارسة رسّخت الشعور باللاانتماء، وأوجدت مواطنة منقوصة. لقد أصبح من الطبيعي أن يُسأل الشاب الدارفوري عن قبيلته قبل أن يُنظر في كفاءته، وكأن الهوية القبلية صارت جريمة أو بطاقة مرور، بحسب القرب أو البعد من المركز.
وحين استمر التهميش ولم تجد الحركات المسلحة آذانًا صاغية، بدأ المركز بلعب لعبة الميليشيات. كانت البداية مع الزغاوة تحت لافتة “تورابورا”، وهي تسمية ذات دلالات مستوردة تعكس نظر المركز لسكان الهامش كعناصر خارجة عن النظام. ثم جاء موسى هلال وقبيلته تحت مسمى حرس الحدود، وهي ميليشيا تم تمكينها من موارد الدولة واستخدامها لقمع التمرد. لكن حين انقلبت الحسابات، أُعيد توزيع الأدوار إلى الزغاوة مجددًا تحت لافتات أخرى مثل “الحركات المسلحة” التي حرص المركز على تفريخها، لا لحل المشكلة، بل لإدارتها عبر التجزئة.
أدوات الحرب البشرية أصبحت كلها من الغرب. أبناء دارفور يقاتلون بعضهم نيابة عن الخرطوم، مرة باسم الدفاع الشعبي، ومرة باسم الحركات الثورية، وكل مرة تخرج الخرطوم رابحة. إنها نفس السياسة القديمة: فرق تسد. وهكذا انتقل الصراع من بين المركز والهامش إلى داخل الهامش نفسه.
وتوازى ذلك مع صعود خطاب عنصري فاقع، لم يعد يُهمس به في المجالس المغلقة، بل يُقال علنًا على ألسنة ناطقين باسم السلطة أو محسوبين عليها. صار التندر على المكوّن الدارفوري ترندًا في الإعلام ومنصات التواصل، وصار الشتم والتقليل من شأنه جزءًا من الخطاب العام، مع ترويج لفكرة أن دارفور جزء دموي بطبعه، وأن الصراعات فيها انعكاس لطبيعة سكانها. بل تعدى الأمر ذلك إلى دعوات انفصالية علنية، وكأن المطلوب هو إخراج دارفور تمامًا من معادلة السودان.
ومن المدهش أن هذا الصوت العنصري لم يأتِ فقط من العامة، بل من شخصيات تتبع للمركز وتحظى بمنابر في حكومة الأمر الواقع. هذه الأصوات تكرر الإساءات بحق الدارفوريين، وتطالبهم بمغادرة السودان، متجاهلة أنهم أصحاب الأرض، وأن وجودهم سابق على كل دولة وحدود. ومن المؤسف أن هذا التنمر تحول إلى قناعة عند البعض، وبدأنا نرى حملات تدعو إلى فصل دارفور وكأنها عبء قومي.
ومن أبشع مظاهر التمييز اللفظي والتنمر الذي طال نساء الغرب، ما نقله الدكتور حسن الترابي عن لسان عمر البشير، عندما قال إن اغتصاب امرأة دارفورية من قِبل رجل من قبيلة الجعلين يُعد شرفًا لها. هذه العبارة البشعة لا تعكس فقط عنصرية مقيتة، بل تصورًا سلطويًا يرى في أجساد نساء الهامش ساحة انتقام وإهانة جماعية. لم يكن مجرد تصريح عابر، بل جزءًا من ثقافة كاملة ترى في الدارفوريين وأهل الغرب عموماً طبقة أدنى.
ويكتمل المشهد عندما نعلم أن الحكومة وافقت على دخول قوات الأمم المتحدة تحت البند السابع، ولكنها اشترطت أن يكون الجنود كلهم أفارقة، بكل عنصرية ورفض لأي وجود أوروبي أو غربي. لم يكن الدافع سيادة الدولة أو الحساسية الوطنية، بل الخوف من أن يرى “الخواجات” حقيقة ما يحدث في دارفور. كانت تلك محاولة جديدة لعزل الإقليم عن العالم، وفرض رقابة على ما يراه المجتمع الدولي، حتى في حضور قوات أجنبية.
ولم يكن كل ما سبق إلا غطاءً لتشريع قانوني مقصود، حيث تم تعديل الفقرة (5) من قانون القوات المسلحة لتفصيل تبعية قوات أنشئت لاحقًا وجُهزت بقانونها الخاص. الذكاء السياسي تمثل في أن تُبقي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع تحت مظلة المؤسسة العسكرية، لكن كلٌ له قانونه. وهنا بلغ الدهاء ذروته: أن يتم إسقاط الحرب على الغرب، بينما يظل المركز في الخلفية. ليس لأن قواتنا المسلحة بلا احترافية أو لا تميز بين قواتها والدعم السريع، ولكن لأن الهدف كان تحميل تبعات الحرب لأبناء الغرب، فبدأ يطلق على النزاع أسماء قبلية لتكريس هذا السيناريو. إنها محاولة جديدة لتكرار تجربة فصل الجنوب، ولكن بأسلوب أكثر مراوغة وتفصيلًا.
لكن ما كان أكثر غرابة من ذلك هو رد فعل المجتمع الدولي، الذي اكتفى بتعبير “القلق”، وكأن البراميل المتفجرة التي كانت تسقط على رؤوس الأطفال والمواطنين في دارفور لا تعني شيئًا لهم. لا يوجد رد فعل حاسم، ولا قرارات ملموسة. بل كان التصريح الوحيد الذي خرج من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان هو دعوة مستمرة لـ”ضبط النفس”. وكأن الخرطوم كانت في محادثات مع جيرانها أو في نزاع سياسي محدود. لا غرابة في ذلك! فالمجتمع الدولي لا يعرف إلا إصدار بيانات تملؤها كلمات مثل “القلق” و”النداء للهدوء”، ولا أعتقد أنهم يدركون الفرق بين نكهة الكابتشينو ورائحة البراميل الحارقة الممتزجة بأجساد أهل دارفور.
والآن، بعد عقد كامل من التواطؤ بالصمت، يعود نفس السفير الذي طلب تبرئة قوات الدعم السريع في 2013، ليظهر في المحافل الدولية في العام 2023، مطالبًا بإدانة تلك القوات نفسها. يقدّم رجاءه إلى مجتمع مخملي لا يعرف الفرق بين رغوة الكابتشينو والرماد الممزوج بلحم المحروقات البشرية. يا للسخرية! كأن الدماء التي سالت بالأمس لم تكن كافية ليوقن هذا العالم المترف أن دارفور ليست هامشًا، وأن الظلم حين يُغذّى بالصمت، لا يُثمر إلا مزيدًا من الجثث.
وهنا، سأسكت قليلاً. لكنني لا أستطيع أن أترك الأفكار تمر دون أن تتسرب إلى ذاكرتي تلك الكلمات التي سمعتها من صديقتي في معسكر كرنق. تحدثت لي عن النساء اللاتي فقدن الأمل، لكنهن تمسكن بالحياة رغم أنهن كن يخرجن من بين الركام ليحملن أطفالهن إلى معسكرات الامتحانات، ليكتشفن أن أبناءهن بلغوا سن الشهادة السودانية، لكنهم لا يستطيعون أن يحققوا أحلامهم. لم تُسوَّ قضاياهم، بل ظلت معلقة في هواء لا يُدركه أحد!
كيف يُقاس العلم في بلادٍ يقتل فيها الجهل؟ هؤلاء الأطفال الذين وُلدوا من رحم المعاناة، ولدتهم الحرب وهاهم يُجبرون على التعايش مع مرارة فقدانهم للمستقبل. أطفالٌ جاءوا إلى الحياة على أنقاض فئةٍ تحمل ذاكرة التتار، جيش الحكومة الذي طاردهم بكل مسمياته القاسية. أطفالٌ نشؤوا في قلب الجهل، وسط ركامٍ من الحروب، وكأنهم يعيدون كتابة مأساة لا تنتهي.
وفي تلك اللحظة، تتسارع الدمعة في عينيك وأنت تفكر: ماذا فعلوا ليُستحقوا هذا؟ وما ذنب هؤلاء الأبرياء الذين وُلِدوا في قلب العذاب، ليُضاف إليهم عار اغتصاب أُمهاتهم من قبيلة الجعلي؟ هذا هو واقع التهميش الفظيع.
إنها حالة من الإفقار المعنوي، إنهم يحملون كل أوجاع تلك الأرض وهم لا يملكون حتى فرصة للاحتجاج! لا يجدون مساحة لرفع أصواتهم في وجه أعدائهم المتعددين.
ختامًا، لا يمكن الحديث عن السلام في السودان دون مواجهة الحقيقة. من بين تلك الحقائق الكبرى، واحدة يجب التوقف عندها كثيرًا: الاستقطاع الجغرافي الذي حدث في دارفور، حيث تم ضم جزء من أراضيه إلى الولاية الشمالية دون أي سند قانوني أو إجراءات دستورية، فقط بقرار سياسي مجحف. إنها جريمة لا تسقط بالتقادم. لا بد أن يُعاد النظر فيها، ويُسأل من قرر ومن وافق، فالأرض ليست ملكًا لأحد كي يوزعها.
واليوم، مع هذه الحرب العبثية – كما أسماها قائدها البرهان – يُراد طمس كل ما سبق، وكأن هذه الدماء ستحجب التاريخ، وكأن هذا الدمار سيغفر التهميش والنهب والتمييز. لكنها محاولة يائسة. فدارفور ليست حقل تجارب، وأهلها ليسوا رعايا درجة ثانية. والحقوق لا تُمحى بالحرب، ولا تُباع في مزادات السياسة.
دارفور ستظل لأهلها، والعدالة قادمة، ولو بعد حين.
في السودان، وقف المجتمع الدولي شامخًا مثل تمثال الحرية، فولاذيًا في بروده، صامتًا في جبنه. ربط عينيه لا حياءً، بل خوفًا أن يُجبر على الاعتراف بما يرى. في السودان، واكبنا كما نحن—مضطرون، لا أبطال. صارت الأسماك النيلية بحجم أسماك القرش، كأنها ابتلعت ألف جثة ولم تشبع. صارت الفئران بحجم القطط البرية، تتسكع بثقة في أطراف الخراب، شبعانة من فتات الجثث. وعدّلت الطيور مواعيد هجرتها، كأنها لم تعد تحتمل رائحة الدم في الهواء. كل الحيوانات تضامنت معنا، بطريقة أو بأخرى، في التخلص من الجثث.
وفيما نحن ندفن أبناءنا بصمت، ما تزال الأصوات البليدة تُبث عبر الأثير، تُغذّي المجتمع المخملي—عفوًا، الدولي—وتمنحه المبررات والأعذار. وما تزال ذات الأصوات، تغذّي بقية الحيوانات أيضًا.
وشبابنا؟ قُدِّموا قرابين تحت لافتةٍ مضحكة اسمها “حرب الكرامة”. أي كرامة بربكم؟ الكرامة لا تُولد من بطون الأكاذيب، ولا تنمو على جماجم المساكين.
المجتمع الدولي لا يعاني من نقص في المعلومات، بل من وفرة في المصالح.
فحين تكون الأرض غنية، تصبح الجثث تفاصيل صغيرة في تقارير النفط والذهب. في دارفور، لا نحتاج إلى دقيقة صمت، لأن الصمت في حد ذاته هو جريمة. نحن لا نحتاج لمزيد من “البيانات” ولا لخطابات تزين الدم بالورود. نحتاج إلى الحقيقة فقط، أن يراها الجميع كما هي: لا عدالة، لا كرامة، لا صوت يعلو فوق صوت القتل.
التاريخ المجروح:
إن نظرة المجتمع الدولي لا تتجاوز كونه مشهدًا مفتوحًا على المدى البعيد، حيث الفائدة هي الهدف وليس الإنسان. وفي دارفور، مثلما في غيرها من الأماكن التي سُلبت فيها الحقوق، لا نملك إلا أن نصرخ في وجه الواقع الذي يحاول تغطيته. عندما تشاهد حروبًا طاحنة وصراعات مستمرة، دون أن تجد ضوءًا في نهاية النفق، ترى أن هذه الأرض أرادوها صامتة؛ لكن الأجيال لم ولن تصمت.
إن التضحية بدماء الأبرياء لم يكن ليكون مصيره النسيان لولا الخوف الذي يجتاح العالم من مواجهة الحقيقة. إذا كان هناك ما يُقال عن دارفور فهو أن الأرض لم تُبكِ إلا بسبب عجز العالم عن الاستجابة لما يحدث. فمن صمتهم الزائف، ومن تبريراتهم المخزية، تبقى الأسئلة الكبرى: أين العدل؟ وأين الكرامة؟ وأين أصوات الناس التي جُرفت تحت أقدام الطغاة؟ لكن الجواب ببساطة: لا شيء من ذلك يمكن أن يتحقق في أرض استُنفِدت فيها كل الفرص.
أصوات المقاومة:
في ظل هذا الظلام، كانت هناك أصوات تمردت، ورفضت الانصياع للتجاهل، وسعت لأخذ حقها مهما كلف الثمن. تلك الأصوات لم تقتصر على الأرض فقط، بل امتدت إلى المنابر الدولية. منهم من نطق كلماته في الأمم المتحدة، ومنهم من تحمل الذل في صمت، لكن في النهاية الكلمة كانت واحدة: “دارفور لن تُسكت”. شاهدنا التواطؤ الذي يُغذّي الحروب ويطيل معاناة الشعب. شاهدنا أيضًا من حاول الوقوف في وجه هذا الظلم، كالسفير السوداني الذي اعتلى منصة الأمم المتحدة في عام 2013 و2015، وأعلن أن القتال في دارفور هو محض أزمة داخلية لن تحتاج إلى تدخلات خارجية.
ما وراء الصمت:
إن أكبر جريمة ارتكبها المجتمع الدولي في حق دارفور هي محاولة إبقاء صوته صامتًا، في محاولة لحماية مصالحه. لم يكن صمت العالم في دارفور مجرد غفلة، بل كان استراتيجيا لحماية مصالح معينة، لتمرير ممارسات خاطئة على حساب حياة بشرية.
إننا لا نحتاج إلى أكثر من الوعي الحقيقي لحقيقة هذه الأرض، في زمن فقد فيه الكثيرون الأمل في التغيير الفعلي. الدفن بصمت لم يعد الخيار، بل النطق بالحقيقة. فحتى الصمت، إذا لم يترافق مع العمل، يصبح أحد أدوات القتل.
خاتمة موسعة: نحو حلول واقعية لأزمة دارفور
إنّ الأزمة في دارفور، على الرغم من تعقيداتها السياسية والإنسانية، لا تفتقر إلى الأمل في إيجاد حلول، إذا ما كانت هناك إرادة حقيقية من جميع الأطراف المعنية. لقد أثبتت السنوات الماضية أن دارفور بحاجة إلى أكثر من مجرد تصريحات وتكهنات دولية؛ بل تحتاج إلى خطوات جادة ومحددة لبناء السلام الدائم وتعزيز العدالة والمساواة بين جميع سكانها.
- الحوار الوطني الشامل:
أحد الحلول الأساسية هو إقامة حوار وطني حقيقي يشمل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة السودانية، القوى السياسية، الحركات المسلحة، والمجتمع المدني. يجب أن يكون هذا الحوار غير مشروط، وينبغي أن يعترف بالحقوق التاريخية والثقافية لأهل دارفور، كما يجب أن يركز على العدالة الانتقالية لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
- العدالة والمصالحة:
يجب أن يتم تبني عملية عدالة انتقالية عادلة تأخذ بعين الاعتبار الأضرار النفسية والاقتصادية التي تعرض لها أهل دارفور. إذا لم يكن هناك مساءلة حقيقية، سيظل الإحساس بالظلم والحقد يعمّ في الأوساط المجتمعية، مما يجعل من الصعب بناء الثقة بين المواطنين وأجهزتهم الحكومية.
- دور المجتمع الدولي:
من الضروري أن يستمر المجتمع الدولي في الضغط على حكومة السودان من أجل تحسين الوضع في دارفور، ولكن يجب أن يكون هذا الضغط من خلال استراتيجيات فعّالة تضمن نتائج ملموسة. لا يكفي أن تظل مواقف المجتمع الدولي مجرد كلمات، بل يجب أن يترافق الضغط السياسي مع دعم ميداني للمبادرات الإنسانية والتطويرية التي تعمل على تحسين الوضع المعيشي لأهل دارفور.
- إعادة الإعمار والتنمية:
إعادة بناء البنية التحتية في دارفور يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من أي خطة للسلام. يجب أن تستثمر الموارد في إعادة الإعمار الاقتصادي، مع التركيز على بناء مشاريع تنموية في المناطق التي تضررت بشدة جراء النزاع، مثل توفير المياه، والتعليم، والرعاية الصحية. كما يجب أن يتم تمويل مشاريع التنمية المستدامة التي تشمل زراعة الأرض وتوفير فرص عمل للشباب، لوقف الهجرة الجماعية من الإقليم وللمساعدة في استقرار المجتمع.
- إعادة بناء الثقة بين المجتمعات المختلفة:
إنّ التعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية والإثنية في دارفور يعد حجر الزاوية لأي حل مستدام. يجب أن يتم التركيز على إزالة الحواجز النفسية والاجتماعية التي أفرزتها الحرب بين هذه المكونات. يمكن أن يساعد إنشاء برامج للتعايش والتعليم بين الأجيال القادمة على تعزيز قيم السلام والمساواة.
- دور الإعلام في نشر الوعي:
أخيرًا، يمكن أن يكون للإعلام دور مهم في توعية الجمهور بأهمية السلام والمصالحة. إنَّ إعلامًا غير منحاز قادر على تسليط الضوء على قصص الأمل في دارفور، والتأكيد على أهمية التضامن بين سكان الإقليم، يمكن أن يكون له تأثير قوي في تغيير التصورات السلبية عن المنطقة.
ختامًا:
إنّ طريق السلام في دارفور طويل ومليء بالتحديات، ولكنه ليس مستحيلًا. إذا كانت هناك إرادة صادقة من الحكومة السودانية والمجتمع الدولي، وإذا تم إشراك جميع الأطراف في عملية الحوار والمصالحة، فإنّ الفرصة ستكون متاحة لتحقيق الاستقرار والعدالة لهذا الإقليم الذي طالما تم تجاهله وصمته على مر العقود. فلن تكون دارفور مجرد “الأرض التي أرادوها صامتة” بعد الآن، بل ستتحول إلى رمز للسلام والعدالة التي يستحقها أهلها.
manal002002@gmail.com