فشل النظام الانقلابي السوداني ومأزق القاهرة الإقليمي: تحالفات مشبوهة وسقوط الأقنعة
عمار سعيد – (تحليل سياسي)

تغرق السلطة الانقلابية في السودان يومًا بعد يوم في مستنقع الأزمات السياسية والعسكرية، وسط فشل واضح في احتواء التدهور المتسارع على مختلف الجبهات، وعجز كامل عن إقناع الداخل والخارج بجدوى مشروعها، الذي يقوم على تحالف بنيوي مع فلول النظام البائد والحركة الإسلامية.
ورغم الجهود الإقليمية والدولية المتكررة لفك هذا الارتباط العضوي بين المؤسسة العسكرية والحركة الإسلامية، إلا أن الواقع على الأرض يؤكد أن العلاقة بين الطرفين أشبه بـ”توأم سيامي” يستحيل فصله، وهو ما أجهض كل محاولات تقديم واجهات مدنية مزيفة لتزيين وجه السلطة الانقلابية.
التجميل المصري للمشهد السوداني: رهان خاسر
في هذا السياق، لعبت مصر دورًا محوريًا في محاولة إنقاذ الجيش السوداني من عزلته الدولية، عبر الدفع بوجوه جديدة إلى واجهة المشهد السياسي، مثل الدكتور كامل إدريس، في محاولة لإقناع المجتمع الدولي بأن النظام الجديد يبتعد عن الإسلاميين. إلا أن هذه المحاولة سرعان ما انهارت، بعد أن كشفت عشرات الفيديوهات والتقارير ارتباط هذه الشخصيات بشكل مباشر بالنظام السابق، ما أفقد المبادرة المصرية مصداقيتها أمام الشعب السوداني.
مأزق القاهرة أمام الحلفاء الخليجيين
الموقف المصري الداعم للمؤسسة العسكرية في السودان، وضع القاهرة في موقف لا تُحسد عليه أمام شركائها الإقليميين، خصوصًا الإمارات والسعودية وليبيا. ففي الوقت الذي تحاول فيه مصر إقناع هذه الدول بأن دعمها للجيش يصب في مصلحة استقرار السودان، لم يتورع قادة الجيش السوداني عن مهاجمة الإمارات علنًا، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، برفع شكوى ضدها في محكمة العدل الدولية، وهي القضية التي خسروها بعد عجزهم عن تقديم أي أدلة.
تحالفات مقلقة مع إيران ومرتزقة من سوريا
الأخطر من ذلك، أن الجيش السوداني فتح أبوابه أمام الحرس الثوري الإيراني، وسمح له بالحضور إلى البحر الأحمر، في خطوة فُهمت على نطاق واسع كرسالة تهديد لتحالفات البحر الأحمر التقليدية. كما أن تقارير عدة أكدت أن المؤسسة العسكرية السودانية لم تمانع تأجير قواعد بحرية لأي طرف يدفع او حتى بدون مقابل حتى لو كان ذلك يعني التعاون مع مستشارين عسكريين فارين من سوريا، أو جهات متورطة في صفقات تسليح مشبوهة.
تشويه ليبيا والحقائق على الأرض
وعلى الرغم من اتهامات الجيش المتكررة لليبيا بدعم قوات الدعم السريع، فإن تلك المزاعم لم تُرفق بأي دليل مادي، مما يُرجح كونها محاولة لتشويه الخصوم السياسيين، لا أكثر. وتشير الحقائق الميدانية إلى أن الجنوب الليبي ظل طوال الفترة الماضية تحت سيطرة القوة المشتركة التي استغلت نفوذها في التورط بأنشطة غير قانونية، شملت تهريب السلاح والبشر، والاعتقال القسري على الهوية، وفرض الإتاوات، وابتزاز المدنيين الفارين من جحيم الحرب في السودان.
ليبيا تتحرك لمحاصرة الجريمة
ولحسن الحظ، بدأت السلطات الليبية اتخاذ خطوات حازمة لمواجهة هذه الفوضى، حيث تم القبض على عدد من المتورطين الليبيين في شبكات التهريب من قِبل كتيبة “سبل السلام”، في إطار عملية أمنية تهدف إلى تقديمهم للعدالة ومحاسبتهم على جرائم تهريب البشر والسلاح.
يتضح مما سبق أن المشهد السوداني المعقد لا يمكن عزله عن سياقه الإقليمي والدولي، حيث تتشابك المصالح والتحالفات، وتتكشف الحقائق تباعًا، لتضع الجميع أمام استحقاقات جديدة. ويبقى السؤال: إلى متى سيواصل النظام الانقلابي التمسك بمشروعه الفاشل قبل أن ينفجر في وجه الجميع