
لقد بلغنا لحظة مفصلية من تاريخ السودان، لحظة تتطلب وضوحًا أخلاقيًا ودستوريًا لا مساومة فيه، وموقفًا ثابتًا من طبيعة الدولة التي نسعى لتأسيسها: هل نريد سودانًا جديدًا بحق، يقوم على الاعتراف والعدالة والمساواة؟ أم نسمح بعودة الاستبداد من نوافذ الخطاب الديني المزيف والسلطة الأخلاقية الزائفة؟ هل سنؤسس دولة تحترم الإنسان السوداني كما هو، بثقافته وتعدده وحقه في الاختلاف؟ أم أننا سنخضع من جديد لأصوات تعتبر التعدد خطرًا، وتوظف الحرب لتجريم الفقراء وثقافاتهم وتبرير عسف السلطة؟
في هذا السياق، فإن تصريحات محمد الربيع، في معرض دفاعه عن سلوك “الرائد شيراز خالد محمد الأمين”، ليست تعبيرًا عن موقف فردي أو لحظة انفعال، بل تمثل مؤشرًا غير مقبول على جهل مركب بالبنية الدستورية للدولة قيد التأسيس، ومحاولة واضحة لتمرير خطاب هوس اسلامي إقصائي قمعي باسم الانضباط والحرب. والأسوا من ذلك أن خطابه يعبّر عن نزعة سلطوية تتخفى خلف الحرب لتضرب جوهر ما توافق عليه الموقعون في نيروبي: احترام الإنسان، وصون كرامته، وحماية تنوعه الثقافي والديني، وتثبيت قطيعة نهائية مع إرث دولة الشريعة القمعية.
أولاً: جهل مركب بالمبادئ فوق الدستورية وتزوير لمعاني الفيدرالية
حين قال محمد الربيع إن من يريد العلمانية والفيدرالية فليطبقها في إقليمه، فقد كشف بوضوح عن جهل تام بمضمون وثيقتين مؤسستين هما: ميثاق تأسيس السودان الجديد (نيروبي، 2025) والدستور الانتقالي لعام 2025، وهما الوثيقتان اللتان وقّعت عليهما قوات الدعم السريع نفسها كجزء من تحالف تأسيس، وجاء فيهما:
– الدولة علمانية، تضمن حرية الدين والمعتقد، وتحمي التنوع الثقافي، وتمنع فرض أي رؤية دينية أو ثقافية على الآخرين.
– تحترم الدولة الأعراف والتقاليد ما لم تتعارض مع الحقوق الأساسية، ولا تُجرَّم الممارسات الثقافية المحلية دون سند قانوني.
وينص ميثاق تأسيس السودان الجديد بوضوح على:
“الاعتراف بالمكونات الثقافية بوصفها ركيزة في بناء الهوية الوطنية، يقتضي الامتناع عن الممارسات الإقصائية أو التطهيرية، حتى وإن ادّعت الغيرة أو لبست لبوس الأخلاق أو الدين”
هذه المبادئ ليست خاضعة لتقدير محلي أو إقليمي، ولا لمحد الربيع او الرائد شيراز، بل تشكل ما يُعرف في الفقه الدستوري بالمبادئ فوق الدستورية، أي تلك التي تُعتبر حجر الزاوية في التعاقد الوطني، ولا يمكن تعطيلها حتى بتشريعات اقليمية داخلية أو ظروف استثنائية. اللامركزية/الفيدرالية، في هذا السياق، ليست تفويضًا مطلقًا، بل هي توزيع للسلطة ضمن إطار قيمي موحد. وهي في صلبها لا تعني أن لكل إقليم أن يصوغ قانونًا أخلاقيًا بمعزل عن باقي الدولة، بل أن تمارس كل سلطة محلية صلاحياتها بما لا يتجاوز سقف القيم الجامعة التي توافقت قوي تأسيس عليها كعقد سياسي جامع، وهي المبادئ فوق الدستورية المعبر عنها في ميثاق تأسيس والدستور الانتقالي، وليكن هذا واضحا.
الربيع، وهو يتحدث بلهجة الآمر العسكري، يتجاهل أن مشروع تأسيس السودان الجديد لا يقوم فقط على هزيمة الكيران عسكريا، ولا إعادة ترتيب مؤسسات الدولة وحسب، بل على إعادة تعريف العلاقة بين المركز والأقاليم، من منظور تحرري قائم على الاعتراف بالكرامة والخصوصية والحق في الاختلاف. هذه العلاقة الجديدة لا تسمح بفرض أنماط مركزية قسرية أو استعلائية على الأقاليم، ولا تسمح بابتزاز السلطة المحلية تحت دعاوى الدين أو العادات.
وحين يتحدث محمد الربيع عن الفيدرالية بوصفها مساحة انتقائية لتطبيق أو تعطيل المبادئ، فهو يعيدنا إلى منطق فقهاء الإنقاذ الذين رأوا في الفيدرالية مجرد وسيلة لاحتواء الهامش إداريًا بينما يستمر القمع الثقافي والديني تحت غطاء القانون المركزي أو العسكري. ذلك الفهم هو احتيال على تعهدات واضحة مكتوبة، وقّعت عليها قوات الدعم السريع ضمن تحالف تأسيس، مما يجعل تصريحات الربيع إما تعبيرًا عن جهل فادح لما وقّع عليه، أو محاولة واعية للنكوص عنه، وفي كلتا الحالتين، فإن حديثه يُعد خرقًا سياسيًا وأخلاقيًا يقتضي المساءلة من الجسم الذي ينتمي اليه و من جماهير التحالف كما في هذا المقال.
ومن هنا فإن واجبنا كمؤسسين وموقعين ومؤمنين بمشروع السودان الجديد ألا نسمح بمرور هذه الخطابات دون تفكيكها ومواجهتها، لا دفاعًا عن وثيقة، بل دفاعًا عن مشروع وطني ثوري قُدم من أجله الشهداء، وسُفكت في سبيله الدماء، ولا يمكن التفريط فيه بمواقف مرتجلة أو خطابات جهل تسعى لإعادة تسويق مفاهيم وسلوك النظام القديم.
ثانيًا: الحرب لا تلغي المبادئ ولا تُعطل الدستور ولا تُبرر القمع الثقافي باسم الأمن:
حين برّر محمد الربيع ممارسة الرائد شيراز وكتيبتها بالقول إننا في حالة حرب، فإنه لم يكتفِ بإساءة تأويل السياق، بل أعاد إنتاج خطاب السلطات القمعية في أسوأ صوره: حين تُحوّل الحرب إلى رخصة لإهانة الكرامة، وإلغاء الحقوق، ومصادرة التنوع. هذا منطق مأزوم ساد خلال الأنظمة الديكتاتورية في السودان وخارجه، حين استُخدمت الطوارئ لتبرير سحق الخصوم، وتجريم العادات، وفرض نمط ثقافي قسري باسم الدفاع عن الدولة.
لكن الدولة الديمقراطية الحديثة، التي ننشدها ونقاتل من أجلها، لا تُعلّق القيم في زمن الحرب، بل تُضاعف مسؤولية المؤسسات تجاه صون الكرامة، وردع الانحراف، والحفاظ على جوهر المبادئ التأسيسية. بل إن القانون الدولي الإنساني ذاته، كما في اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها، يُلزم أطراف النزاع باحترام السكان المدنيين وثقافاتهم، ويمنع المعاملة المهينة حتى لأسرى الحرب، فكيف بمواطنين داخل أرضهم يمارسون تقاليدهم الاجتماعية؟
لقد أثبتت تجارب نضالية من أمريكا الجنوبية إلى جنوب إفريقيا أن الثورة الأخلاقية لا تبرر الانتهاك، وأن من يقاتل من أجل الكرامة لا يملك أن يهينها في طريق الانتصار. فمانديلا لم يسمح باستخدام الثورة كغطاء للانتقام، وسانكارا لم يهادن في مسألة احترام الإنسان، وهو شي منه رفض إذلال الأسرى رغم الحرب الضارية. هذه المواقف لا تُعبر عن ضعف، بل عن عُمق القيم التي سكنت نفوس هؤلاء القادة- فما بالك بمواطنين مغلوب علي امرهم في الأراضي التي تسيطر عليها؟
أن تتحوّل الحرب إلى ذريعة لتجريد الفقراء من إنسانيتهم، ولإهانة المقاتلين بألفاظ سوقية مثل “أي سَكَاري ود كلب…”، فهذا ليس انضباطًا، بل سقوط أخلاقي يستدعي الزجر. الدولة التي نحلم بها لا تُبنى بالصراخ، ولا تقاد بالإهانة، بل بالتعاقد الواعي على قيم جامعة تحمي الكرامة وتُعلي من إنسانية الجميع.
إننا لا نقاتل ضد جيش أو ميليشيا فحسب، بل نقاتل ضد أن تُسرق ثورتنا من داخلها، وأن يُعاد توجيه سلاحنا ضد من ثُرنا لأجلهم. وهذا ما يجعل من خطاب محمد الربيع سلبا على وحدة الصف، وضارا بجوهر المعركة.
ثالثًا: خطاب محمد الربيع إهانة مزدوجة للثقافة والمقاتلين واساءة للوعي الوطني
في التسجيل الصوتي المتداول، خاطب محمد الربيع الجنود قائلاً: “أي سَكّاري ود كلب، كسِّروا ليهو المريسة وقولوا ليهو اليوم يوم أمر مش خمر”. هذه العبارة ليست مجرد تعبير منفلت أو انفعال فردي، بل تُجسّد منطقًا سلطويًا يُهين الإنسان من حيث يدّعي الانضباط. فهي تنطوي على ثلاث مستويات من الإشكال: ازدراء للثقافة المحلية، احتقار للمقاتلين، ومصادرة للحق في التنوع باعتباره انحرافًا.
أولاً، على المستوى الثقافي، تشكّل (المريسة) ومثيلاتها من المشروبات الشعبية في السودان وصناعتها تعد ممارسات اجتماعية وتعبيرات ثقافية ضاربة في الجذور قبل الربيع ام رفض. وهي ليست مجرد مادة مسكرة، بل جزء من تقاليد الطقوس والمناسبات والموروث المجتمعي. ومع ذلك، فإن الربيع اختزل هذه التقاليد في صورة سلبية، وأطلق عليها أحكامًا أخلاقية سطحية تنتمي لفقه النظام العام للدولة الإسلامية ابان حكومة الانقاذ، لا لفكر الثورة ولا لمنطق الدولة المدنية
ثانيًا، حين يُطلق الربيع أوصافًا مهينة مثل “ود كلب” تجاه مقاتلين محتملين، فإنه لا يهينهم فقط على المستوى الشخصي، بل يُرسل رسالة مؤذية حول العلاقة بين السلطة والمواطن الثوري. كيف يُطلب من جندي ثوري أن يقاتل دفاعًا عن وطن لا يُخاطبه فيه قادته سوى بلغة الشتيمة؟ وكيف نستطيع تأسيس جيش وطني قوامه الاحترام، إذا كانت العلاقة داخل صفوفه تقوم على الإهانة؟
ثالثًا، اللغة التي يستخدمها الربيع تكشف عن تواطؤ بنيوي مع منطق الإسلام السياسي في تعامله مع الشعب، باعتباره موضوعًا للتأديب لا شريكًا في التأسيس. فجوهر مشروع السودان الجديد هو بناء دولة تقوم على الاعتراف بالتنوع، لا على محاكمته. وتحرير الإنسان من الهيمنة الدينية والأخلاقية القسرية، لا إعادة إنتاجها بأدوات جديدة.
قول الربيع إن “الناس يمكنهم الشرب بعد تحرير الوطن” يعكس فهمًا مشوّهًا لحقوق الإنسان، وكأن الحرية تُمنح لاحقًا كمكرمة، وليس كحق أصيل غير قابل للتأجيل. هذا المنطق يكرّس بالضبط ما ثرنا عليه: تلك السلطة التي كانت تقول للناس اسكتوا الآن، نحرركم لاحقًا، بينما كانت تؤسس لاستبداد دائم.
الأكثر مفارقة أن الربيع لم يُحمّل المسؤولية لانفلات المقاتلين لقادتهم أو لسلوكهم الفردي ، بل ألقى باللائمة على منتجي الخمور البلدية، في موقف ينطوي على عنصرية ثقافية وتواطؤ مع منطق “شيطنة الهامش”، الذي لطالما اعتبر أن خلل الدولة يكمن في ثقافات الناس، لا في ممارسات السلطة!
هذا التهرب من المسؤولية يتعارض مع أبسط مبادئ الأخلاق الثورية. وكما قال نعوم تشومسكي:
“أنت مسؤول عن النتائج المتوقعة لأفعالك”
You are responsible for the predictable consequences of your actions.
إن التذرع بالانضباط الأخلاقي أو الخوف من الانفلات لا يُبرر قمعًا ولا يُعفي من المحاسبة. فلا يُعقل أن تُمارس انتهاكات ضد فقراء ومنتمين للثقافات المهمشة، ثم تُقدّم هذه الانتهاكات بوصفها فضائل، وفوق هذا ترمي بلوم تفلت الجنود عليهم!
لهذا، فإننا لا نرى في خطاب محمد الربيع مجرد تجاوز لفظي، بل خطيئة سياسية وأخلاقية يجب أن تُواجه بالحسم. فالثورات تُقاس بمدى وفائها لمن قامت لأجلهم، لا بمدى قدرتها على إنتاج سلطات جديدة بأدوات قديمة.
والسؤال المركزي هنا: هل نقاتل لبناء وطن جديد، أم لإعادة تدوير القهر في صورة مُنقحة؟
إن مشروع السودان الجديد لا يحتمل ازدواجية في القيم، ولا مهادنة مع الخطابات التي تُحقّر الإنسان باسم النظام أو الأخلاق أو الحرب. وهذا ما يجعل تفكيك خطاب الربيع ضرورة ثورية، لا مجرد اختلاف في الرأي.
وإلا، فإننا نخون الشهداء، وننقض الميثاق، ونُعيد إنتاج الكابوس الذي ظننا أننا استيقظنا منه.
رابعًا: الأقاليم والمبادئ فوق الدستورية – لا صلاحية تعلو على العقد الوطني
في الدولة الفيدرالية الدستورية الحديثة، تُعتبر المبادئ فوق الدستورية- مثل العلمانية، المساواة، حرية التعبير، الكرامة الإنسانية، والحق في الاختلاف الثقافي- أساساً ضامناً لوحدة الدولة، وسقفاً مُلزماً لجميع مستويات الحكم، بما في ذلك الحكومات الإقليمية.
وتنص وثائق تأسيس السودان الجديد:
علي التزام كافة مستويات الحكم في الدولة السودانية الجديدة باحترام المبادئ فوق الدستورية التي تُعد غير قابلة للتعديل، وتشمل: الفصل التام بين الدين والدولة، ضمان الحريات الفردية، المساواة أمام القانون، ومنع التمييز على أساس الدين أو الثقافة أو النوع…..
ويؤكد الدستور الانتقالي 2025، علي:
لا يجوز لأي سلطة اتحادية أو إقليمية أو محلية أن تصدر أو تنفذ قوانين أو سياسات تتعارض مع المبادئ فوق الدستورية المنصوص عليها في هذا الدستور والمتفق عليها.
بناءً عليه، فإن أي محاولة من حكومة إقليمية أو سلطة محلية:
– لحظر ثقافة مشروعة،
– أو فرض نمط أخلاقي ديني أو ثقافي أحادي،
– أو معاقبة الأفراد بناءً على خياراتهم الشخصية أو أنماط حياتهم،
تُعد انتهاكاً مباشراً للدستور والميثاق، وخرقاً صريحاً للعقد الوطني الذي تعاهدت عليه مكونات السودان الجديد.
إن الخصوصيات الثقافية لا تمنح الشرعية لقمع الحريات، ولا تُبرر التمييز أو فرض نموذج قيمي مغلق في مواجهة التنوع المجتمعي الذي يشكّل نسيج الدولة.
الفيدرالية ليست تفويضاً للتمييز، بل تنظيماً إدارياً في إطار وحدة سياسية ودستورية قائمة على المساواة والحقوق الأساسية غير القابلة للتجزئة.
من يعتقد أن بإمكانه، تحت غطاء الخصوصية المحلية أو النظام العام، فرض رؤية أخلاقية على حساب التنوع الوطني، يجهل جوهر مشروع التأسيس ويقوّض أسسه القانونية والأخلاقية.
وكل صمت أو تبرير لتلك الانتهاكات، هو مساهمة فعلية في التشويش علي الدولة من الداخل، لا أقل.
خامسًا: مسؤولية الأطراف الموقعة على الميثاق – لا مفر من المحاسبة
إن كافة الأطراف التي وقّعت على “ميثاق تأسيس السودان الجديد” مُلزمة قانونيًا وأخلاقيًا بالوفاء بمضامينه، والالتزام غير المشروط بالمبادئ فوق الدستورية التي تمثل جوهر العقد السياسي الجديد. هذه الالتزامات لا تخضع للمزاج السياسي، ولا تبررها سياقات الحرب أو الاصطفاف، بل هي قاعدة تأسيسية لا يجوز التنصل منها دون الوقوع في خيانة دستورية وسياسية.
ما صدر عن محمد الربيع، يثير قلقًا مشروعًا حول مدى إدراك المؤسسة التي يمثلها لمعنى الالتزام بالميثاق التأسيسي. فإذا كانت هذه التصريحات تعبّر عن موقف رسمي، فإن ذلك يُعدّ تجاوزا على نصوص موقّع عليها، ومساسًا بصدقية الالتزام المعلن أمام جماهير الثورة والشعب السوداني قاطبة، ويتطلب التوضيح. أما إذا كانت تلك المواقف تعكس جهلًا ببنود الميثاق من جانبه، فإن ذلك يُحمّل القيادة مسؤولية مزدوجة: مسؤولية الجهل، ومسؤولية ترك المنابر في يد من يعبّرون عن مشروع لا يشبه ما وقّعت عليه القوى الثورية.
فهل كان التوقيع على الميثاق تعهدًا فعليًا بإعادة تأسيس الدولة السودانية على أسس علمانية، تعددية، وفيدرالية كما نصت المواثيق؟ أم كان مجرد مناورة تكتيكية لتموضع ظرفي؟ هذا السؤال لا يُطرح من باب التشكيك، بل من باب المساءلة الجماهيرية الضرورية التي تقتضيها اللحظة التأسيسية.
إن الشعوب التي قاتلت من أجل الحرية والاعتراف ترفض أن تُخدع. والذين يستهينون بذاكرة الناس، أو يراهنون على ضعفها، إنما يراكمون فشلًا سياسيًا وأخلاقيًا لن تصمد أمام وعي شعب قرر أن لا عودة للاستبداد، ولا تسامح مع ازدواجية الخطاب.
الالتزام بالميثاق لا يُقاس بالخطابات، بل بالممارسة والانضباط القيمي. وكل من ينكص عن ذلك، أو يحاول التلاعب بمفاهيم الثورة والدستور، سيجد نفسه في مواجهة مع جماهير لن تسمح بسرقة مشروعها مرة أخرى. فالميثاق ليس شعارًا، بل ميثاق شرف وطني لا تهاون فيه.
خاتمة: الثورة لا تُهان باسم الأخلاق، ولا تُسرق باسم الحرب:
نحن جماهير السودان الجديد لا نقاتل من أجل تبادل مواقع السلطة كما يتوهم الربيع، بل من أجل قطيعة معرفية وسلوكية مع تاريخ من الإقصاء، ومن أجل تأسيس دولة مدنية ديمقراطية عادلة تحترم الإنسان وكرامته وتنوعه.
تصريحات محمد الربيع تمثل ارتدادًا عن هذا الأفق، وتشويشا صريحًا لمبادئ التأسيس. إنها تكشف جهلًا فادحًا بمفاهيم الفيدرالية، والعلمانية، والمبادئ فوق الدستورية، وتُظهر بوضوح خطورة ترك خطاب كهذا دون مساءلة سياسية وأخلاقية
– الحرب لا تبرر القمع
– الكرامة لا تُبنى بالشتيمة
– الفيدرالية لا تعني التفلت من المبادئ
– الحقوق لا تُؤجل إلى ما بعد التحرير
– الثورة لا تكتمل إلا باحترام من قامت من أجلهم
– تحالف تأسيس هو التعبير الدستوري الحقيقي عن الثورة. ومن يجهل ما وقّع عليه، لا يحق له أن يتحدث باسمها
فحيلك يا محمد الربيع… ولتفهم على ماذا وقّعت.
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)