رأي

السودان؛ حان الوقت لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعيدا عن البرهان وشلته

صالح السليمي

أدخلت الحرب بلادنا في مرحلة مفصلية هي الاسواء في تاريخها الحديث، حيث تتشابك الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتشكّل لوحة متكاملة من التحديات الجودية غير المسبوقة. منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، تفاقمت حالة الفراغ السياسي وازدادت الأوضاع سوءًا، نتيجة غياب سلطة شرعية قادرة على مواجهة تلك التحديات، ما جعل الطريق سالك لافتعال هذه الحرب اللعينة العبثية بواسطة قوى الظلام والردة. ومنذ ذلك الحين انجرفت بلادنا في دوامة من العنف والتدمير والتهجير والنزوح واللجوء في ظاهرة لم يشهد لها التاريخ مثيلا، في ظل هذه الظروف، تبرز الحاجة إلى تكوين حكومة وحدة وطنية موازية كضرورة قصوى وحتمية لتحقيق الاستقرار ومواجهة الأزمات المتفاقمة والأوضاع المتفجرة في بلادنا.
واجهة شلة البرهان المتمركزة في بورتسودان منذ انقلاب في 25اكتوبر 2021 أزمة شرعية أصبحت مزمنة، حيث رفض الاعتراف بها الاتحاد الافريقي المنظمة الإقليمية الأكثر تأثيراً في القارة، وجمد جراء ذلك عضوية السودان في المنظمة نفسها. هذه الوضعية جعلت حكومة البرهان تعجر عن الوفاء بأدنى مقومات الحياة، مما أدى إلى تقليص نفوذها داخليًا وخارجيًا، هو ما يفسر الفشل الواضح في توفير أدني الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم وتحقيق الأمن، وجعلها كذلك عاجزة عن كسب ثقة المواطنين. هذه الاوضاع جعلتنا ننادي بتكوين حكومة وحدة وطنية موازية قادرة على تمثيل كافة الأطياف السياسية والمجتمعية، باعتباره الخيار الوحيد والأمثل لاستعادة الشرعية السياسية وبناء الثقة مع الشعب السوداني والمجتمع الدولي.
كذلك، الأوضاع المتدهورة في السودان تستدعي معالجة سريعة للاحتياجات الأساسية الإنسانية التي لا تحتمل التأجيل. إذ يشهد نظام الخدمات الصحية انهياراً واسع النطاق، حيث تتفاقم الوفيات بسبب الامراض المزمنة جراء نقص الادوية المنقذة للحياة، كما توقف النظام التعليمي تماماً، ما تسبب في خروج اعداداً لا حصر لها من حلقة التعليم العام والجامعي لما يقرب من عامين، بينما يعاني سائر المواطنين من انعدام الأمن الغذائي وتفاقم الأوضاع المعيشية، ويشرف نحو نصف سكان البلاد على حافة المجاعة. إن حكومة الوحدة الوطنية الموازية ستوفر آلية فعّالة للتعامل مع هذه الأزمات عبر تنسيق الجهود الوطنية والدولية، ووضع أولويات واضحة لخدمة المواطنين.
كما ان الحالة الراهنة تتطلب استجابة فورية لنداء العقل الوطني الذي يدعو إلى توحيد الجهود ولملمة جراح الوطن، وإن استمرار حكومة البرهان في تجاهل دعوات الحوار والتوافق الوطني يزيد من عمق الانقسام الداخلي، ويعزز الشرخ الاجتماعي المتفاقم، ويرشح البلاد الى المزيد من الانقسام. وتعد حكومة الوحدة الوطنية بمثابة نقطة انطلاق لتوحيد القوى السياسية والاجتماعية، وإعادة بناء اللحمة الوطنية على أسس جديدة من الثقة والعدالة.
منذ الانقلاب العسكري المشؤوم 2021، يعاني السودان من فراغ سياسي أضعفه داخليًا وعزله خارجيًا. فالمجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية رفضت الاعتراف بحكومة البرهان المعزولة، مما أفقد السودان أي فرصة لتلقي الدعم الخارجي، الامر الذي يجعل تشكيل حكومة وحدة وطنية موزاية ضرورة حتمية، ويوفر فرصة لإعادة بناء العلاقات الدولية وتحقيق الاعتراف الإقليمي والدولي، الأمر الذي يُعد أساسيًا للخروج من الأزمة الراهنة.
علاوة على ذلك، تُعد التوترات المتزايدة في علاقات السودان الخارجية بين جيرانه وحاضنته الإقليمية من أبرز ملامح الأزمة الراهنة، حيث يتطلع شعبنا الى حكومة وحدة وطنية تقدم رؤية واضحة لمعالجة هذه الإشكاليات، عبر اعتماد سياسة خارجية متوازنة تعيد للسودان دوره المحوري في المنطقة وتضمن مصالحه الوطنية، وتتصدى للأزمة الإنسانية التي أصبحت تُشكّل تهديدًا وجوديًا لملايين المواطنين، في ظل تزايد أعداد النازحين واللاجئين، ويتفاقم الدمار في البنية التحتية بصورة اشبه بالتخريب المنظم. كما ان غياب حكومة ذات مصداقية يعوق وصول المساعدات الدولية وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، ويعرقل الخطط الموضوعية لوقف الحرب واستعادة الاستقرار الإنساني والاجتماعي عبر توفير الظروف اللازمة لتلبية الاحتياجات العاجلة وإطلاق جهود إعادة البناء والاعمار.
إن الأزمة الراهنة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات تاريخية من التهميش والفساد وانعدام العدالة الاجتماعية والثقة. لذلك، فحكومة الوحدة الوطنية التي تُمثل جميع المكونات السياسية والاجتماعية سيكون منوط تقديم رؤية استراتيجية لحل هذه المشكلات من جذورها، ومعالجة القضايا الهيكلية للنظام السياسي والاجتماعي القديم وتساهم في إنهاء الصراع والأوضاع المأساوية التي يعيشها السودان وفتح آفاق جديدة لتحقيق السلام والتنمية والعدالة.
إن تشكيل حكومة وحدة وطنية ليس خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة تمليها الظروف الراهنة لإنقاذ السودان من حالة الانهيار الشامل. عبر تحقيق التوافق الوطني واستعادة الشرعية، يمكن لهذه الحكومة أن تمهد الطريق نحو بناء دولة قادرة على مواجهة تحديات الحاضر وتأمين مستقبل مستدام. فالسودان يحتاج إلى إرادة جماعية ونوايا صادقة لتحقيق هذا الهدف، حيث لم يعد هناك متسع من الوقت للمماطلة أو التجاهل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!