
لقد بدأت مليشيات “المشتركة” التي يقودها مناوي وجبريل وآخرون في الانحسار عسكرياً وسياسياً، ذلك أن أمراء الحرب هؤلاء أساءوا التقدير حين أشعلت الحركة الإسلامية – علي كرتي – الحرب، لم تكن حساباتهم مبنية على هدف مشروع، وإنّما على الارتزاق واللهث وراء كرسي سلطة زائلة زائفة، هرب أصحابها من العاصمة الخرطوم إلى بورتسودان، لقد أخطأت القيادة السياسية لقوات الدعم السريع، حينما كان قائدها نائباً لرئيس مجلس السيادة (أيام شهر عسل الشرعية)، ببعث الرجلين – قائدي حركتي تحرير السودان والعدل والمساوة – من موتهما وبث الروح فيهما، بعد أن لفظتهما الجغرافيا والتاريخ، فأعادتهما إلى دنيا السلطة والمال دونما رأس مال يملكونه غير الانتهازية، فدفعت القيادتان السياسية والعسكرية لقوات الدعم السريع ثمن ذلك آجلاً، وما زالتا تفقدان العزيز من “الأشاوس” في دارفور وكردفان جراء ذلك الخطأ الاستراتيجي، لقد ذكر قائد ثاني الدعم السريع أمام جنوده الأوفياء أن “المشتركة” تسببت في تأخير زحفهم (قليلاً)، وانا أقول بأن “المشتركة” يا سعادة الفريق قد أخّرت زحفكم (كثيراً)، ذلك أنها ماطلت نصف عام لحيادها الكاذب داخل مدينة “الفاشر”، في الوقت الذي أعدت فيه العدة لحفر الخنادق وزرع الألغام، في كل شبر من أرض العاصمة التاريخية لدارفور، ثم ما لبثت أن كشفت عن وجهها القبلي الصارخ، فقبلت الرشاوى من جلادي الأمس، وأعلنتها حرباً صريحةً على قوات الدعم السريع.
لو تعاملت القيادة السياسية لقوات الدعم السريع مع “المشتركة” بذات طريقة عصابة “بورتسودان”، لاختلفت الموازين، ذلك أن عاقبة إكرام اللئيم هي التمرد، لكن، ربما أيضاً أسهم بعض المقربين من قائد الدعم السريع في ضم الرجلين (مناوي وجبريل)، لسفينة ما اطلقوا عليه آنذاك اسم (السلام سمح)، تلك الأكذوبة التي لم تأت على دارفور بالسلام، بل شرّدت ونزّحت سكان الفاشر وجعلتهم رهائن لأجندة الرجلين الخاصة، ولو ندم حادي ركب “الجاهزية” على شيء سيكون ندمه على ظنه الحسن بأن ” المرتزقة” يمكن أن يبنوا وطناً، إنّ مسئولية وقوع قيادة الدعم السريع في فخ “المشتركة”، يحاسب عليها من كان ناصحاً سياسياً لقيادة هذه القوات التي تمثل القوة الصلبة لحماية الحواضن من خبث “المشتركة”، وسداً منيعاً ضد مكر وحقد الحركة الإسلامية في نسختها الأخيرة، وكما ظللنا نقول أن قوات الدعم السريع صاحبة الناصية الصادقة استحقت الاعتراف الدولي، لكن ما ينقصها هو استمرار وجود بعض الإسلاميين في جهازها السياسي، العاملين بكل جد وإصرار على استمرار ارتكاب الخطأ القديم، رغم التوجه العالمي الصريح نحو إخلاء المنطقة من نفوذ الحركات الإسلامية، فهذه الثغرة إن لم تسد اليوم، فإنّ هذه القوة الضاربة التي عقد عليها السودانيون الآمال العراض، سوف تسيطر عليها الحركة الإسلامية، ولن يصحى السودانيون إلّا وهم يشاهدون “كرتي” آخر يقودهم إلى الجحيم.
العبرة بالتجربة، فبعد أن لفظت عصابة بورتسودان “المشتركة”، على الجهاز السياسي في قمة هرم “الجاهزية”، أن لا ينخدع مرة أخرى بتمرير أجندة النسخة الأخيرة من الحركة الإسلامية، وأن يدع قوارب “المشتركة” تتحطم على شواطئ بورتسودان، فالخطيئة التي ارتكبتها هذه المليشيات “المرتزقة” بإحالة مدينة الفاشر إلى سرادق للعزاء كبير، لا يغفرها سوى خروجها من المشهدين العسكري والسياسي، ولا أكون مبالغاً في تقديري، لوقلت ان فلول النظام البائد ما كانوا يتجرؤون على إشعال الحرب، لو لم تلج هذه المليشيا الشريرة دهاليز السلطة، ودونكم انحيازها الفطير لتحالف “الموز”، وما أدراك ما تحالف الموز، إنّه التحالف الذي سعى بكل ما ملك من قوة لإعادة النظام القديم للمشهد. على السودانيين أن يحتفوا بسقوط “المشتركة” في الميدانين العسكري والسياسي، وأن يتفاءلوا خيراً بخلو ساحة المعركة إلا من إثنين – أنصار الحق – الجاهزية، و الخونة من كتائب البراء ومليشيا الخائن الذي حمله الأشاوس على الاكتاف، ثم جاؤوا به حاكماً على ولاية الجزيرة بعد تحريرها، إنّ أس بلاء السودان يكمن في المندسين من حملة ألوية الكتب الصفراء، الذين يأكلون ويشربون على مائدة واحدة مع القيادة، من الذين أتوا إلينا بهؤلاء المرتزقة (المشتركة) الذين قضوا على ثورة الشعب، بإعلانهم الجهير للحرب على مشروع التحول المدني الديمقراطي. أخيراً، إني لكم من الناصحين، أغلقوا الباب أمام حركات (السفاح)، ولا تكلوا إليهم أمراً بعد تحرير الفاشر.