رأي

(حميدتي) .. المارد الذي جاء من الأقاصي

نجم الدين دريسة

عايشنا في السودان أنظمة حكم مورّثة عن الاستعمار مارست الغوغائية والديماجوجية باسم الديمقراطية، وأخرى استبدادية وشمولية طابعها الدكتاتوريات، السطوة والسيطرة، فانزلقت في مهاوي الطغيان والتجبر، وأذاقت الشعوب السودانية كل أشكال الذل وويلات الهوان والخسران المبين.. سبعون عامًا من العبث منذ ما عُرف باستقلال السودان.. سبعة عقود كانت كلها تمريغًا للبلاد في وحل التخلف والجهل والعنصرية البغيضة، حيث بات السودان على مدى ما يقارب القرب يعاني من حالة انعدام الوزن السياسي، وحلّت بشعوبه المتنوعة والمتباينة شظف العيش، وكل أنواع الفوائد والدواهي، والبؤس والشقاء، وهو الوطن الزاخر بالموارد والمقدرات، والذي كان ينبغي أن يكون سلة غذاء الكون، ولكن تحول إلى بلد مصاب بلعنة الموارد لأن الأفكار جدباء، والإدارة موغلة في السوء، والفساد مستشري، والطغيان سائد.. وهي عوامل بالطبع لا تقود إلا إلى مزيد من الفشل، ونقص في الأموال والأنفس والثمرات، وفقدان الأمل والرجاء، واستشراء الظلم والفقر والجهالة والبطالة.. فكان وطن الخراب.

ورثنا مؤسسات خربة ينعق فيها البوم وزعامات وقيادات مدنية وعسكرية هم كالبوربون لم ينسوا شيئًا ولم يتعلموا شيئًا.. ظلوا يكررون نفس التجارب ويمارسون السياسات نفسها، وبالتالي تظل الأزمة تعيد نفسها في كل الحقب التي أعقبت ما يسمى بالاستقلال.. أو كما يقول المثل الشائع (كالمنبت لا ظهرًا أبقى ولا أرضًا قطع) فوارثنا وطن أدمن الصراعات السياسية والخصومات الطائفية.. والانكفاءات العقائدية التي ظلت تستغل الدين وتبحث عن حلول في عالمنا المشاهد في عوالم غيبية، ونزق إيديولوجي تمظهر في الشيوعية المتموضعة في أقيبة التاريخ.. فانحسرت العقلانية في مستنفع التزمت الفكري.

في خضم هذا التدحرج والتقهقهر، برز السيد القائد حميدتي الرائد الذي لا يكذب أهله، انحدر من بسطاء وعوام هذا الشعب.. مسلح بحكمة ومتوشح ببصيرة أدركت واستوعبت تطلعات الشعوب السودانية، ليس يساريًا ولا يمينيًا، ليس إسلاميًا ولا ماركسيًا ولا طائفيًا.. جمع بين الإفريقية والعروبة، ومن الصفات ما تؤهله لإحداث التغيير:

متدين بلا تطرف… سوداني بلا تمييز، استطاع تشخيص الحالة السودانية كنطاس قدير… ما وضع مبضعه على داء إلا كان موفقًا كأنه مسنود بالعناية الإلهية.. قوي الحجة.. ينضح بالحكمة، يتمتع بكاريزما زعماء ورواد التغيير، كأنه موسم الضوء وربيع الأمل، شخصية كأنها معطونة في الإدراك، قراراته عقلانية.. يتسم بطموح واعٍ وحماس مرشد، ويملك شجاعة الاعتراف بالخطأ والرجوع والتصويب كما فعل في انقلاب 25 أكتوبر 2021م، والانحياز الكامل واعتلاء هرم الثورة وامتشاق سيف النضال لصد اعتداءات مليشيات جيش الفلول ضد ثورة الشعب الباذخة، بإشعالهم لحرب أبريل، لأن الجيش ظل أداة طيعة في يد النخب لتطويع وتركيع الشعوب السودانية، ولكن هذه المرة وجد نفسه أمام قوات تحرير وطني مسلحة بوعي فكري وسياسي تجاوز كل حركات التحرر التي لم تعدو كونها حركات احتجاج ظلت تدور في فلك ذات المفاهيم القديمة، وهو ما يبرر

وقوف معظمها مع الجلاد، وما ينفي في الوقت نفسه أي حجية عن كونها ظلت تطالب بحقوق ضحايا التهميش التنموي والسياسي.

جاء من الأقاصي يحمل لواء التغيير والإصلاح في وطن ظلت تتقاذفه الصراعات والحروب وعدم الاستقرار السياسي.. أفلح تمامًا في رسم مسار للثورة السودانية بعيدًا عن كل الشعارات التي تضج بالزيف.. وهي ثورة عظيمة بكل المقاييس، رغم تربص الأعداء وكيد قوي الردة.. وهي ثورة أوقدت بعزائم وتضحيات الأشاوس، كما حاولوا إطفاءها أحرقوا بها، وصار أمر التحرير فاشيًا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!