رأي

رسالة التاريخ من قائد التغيير

نجم الدين دريسة

لكم أن تتصوروا حجم الرصانة واتساع الأفق في الخطاب الأخير لقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، الرائد الذي لم يكذب أهله يومًا. لقد جاء خطابه هذا — والذي لا يمكن وصفه إلا بالتاريخي بكل المقاييس — مشبعًا بعناصر الزعامة وروح التغيير، وممهورًا بالعقلانية والمنطق والوضوح، كما هي عادة الزعماء حين يتحدثون في لحظات التحول الكبرى.

تميّز الخطاب بالصدق والشفافية، والقوة والاتزان، إلى جانب الحس الوطني العالي والشعور بالمسؤولية تجاه معاناة المواطنين. عبّر حميدتي بوضوح عن رغبته الجادة في وضع حد للمآسي المستمرة وتحقيق تطلعات الشعب في الحرية والسلام والعدالة.

افتتح القائد خطابه من وسط حشود كبيرة من قوات الدعم السريع، محييًا إياهم بكلمات ملؤها الشوق والمودة، تعكس عمق العلاقة الفريدة التي تربطه بقواته. علاقة تنم عن احترام متبادل يفوق حدود التوقع. وخصّ بالتحية الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دفاعًا عن قضية آمنوا بها، وواجهوا جماعات الهوس الديني بشجاعة نادرة. كما لم يغفل عن ذكر المصابين وأسر الشهداء، مشيدًا بتضحياتهم وصبرهم.

وفي جانب مهم من خطابه، تناول دقلو الأوضاع المعيشية الصعبة التي تمر بها الشعوب السودانية، مؤكدًا التزام قوات الدعم السريع التام بقضايا الشعب العادلة، وسعيها الحثيث لتحقيق السلام العادل والتحول الديمقراطي الكامل، في وطن موحّد يقوم على قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان. وهي الأهداف ذاتها التي خرجت من أجلها ثورة ديسمبر المجيدة، والتي تراجع عنها البعض وانحازوا إلى صف الثورة المضادة.

أما أكثر نقاط الخطاب أهمية، فكانت حديثه عن تحرير منطقة “المثلث” من الفوضى التي كانت تضرب بأطنابها هناك، من إرهاب وتهريب واتجار بالبشر. كما أكد ضرورة معالجة أزمات العلاقة مع دول الجوار — ومن بينها مصر — عبر الحوار السياسي القائم على المصالح المشتركة لا الهيمنة، مشيرًا إلى أن النظام الإخواني هو المسؤول الأول عن تشويه علاقات السودان الخارجية، وإدخاله في عزلة دولية خانقة بسبب سياساته الرعناء وسلوكه المتطرف.

 

واصل القائد حديثه باتهام مباشر لجماعة الهوس الديني وذراعها السياسي — حزب المؤتمر الوطني — بجر البلاد إلى الحرب عبر اختطاف المؤسسة العسكرية، موضحًا أن ما جرى في 15 أبريل 2023 كان في جوهره انقلابًا من الحركة الإسلامية التي ظلت تسعى منذ سنوات لإغراق السودان في الفوضى. هذه الجماعة، بحسب تعبيره، أطلقت على حربها اسم “الكرامة” وسخّرت لها كل أدوات الكراهية والدعاية العنصرية، لكنها اصطدمت بوعي الشعب السوداني ورفضه القاطع للحرب.

 

واختتم حميدتي خطابه برسائل واضحة ومباشرة، مفادها أن الحلول السلمية ما تزال ممكنة، شرط التخلص من الجماعات المتطرفة التي لا تريد لهذا البلد الخير. كانت كلماته بمثابة نداء مفتوح إلى الشعب السوداني حتى لا يقع ضحية لحملات التشويه الإعلامي والدعاية السوداء التي تستهدف قوات الدعم السريع.

أخيرًا؛ جاء خطاب القائد محمّلًا برسائل وطنية عميقة، ومفعمًا بالأمل في مستقبل جديد، يعيد للسودانيين كرامتهم المهدورة وحقهم في وطن حر عادل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!