
القبلية تحوّلت في السودان إلى أداة في يد السياسيين الفاشلين انتهت بهم إلي تمزيق الوطن وحولته لساحة صراعات دموية عطلت مسيرته لعقود طويلة . فالانحياز للقبيلة على حساب الوطن قوّض مفاهيم العدالة ، وهدد قيم المواطنة ، وأعاق بناء دولة القانون والمؤسسات .
إن أخطر ما في القبلية أنها تزرع الشك والكراهية بين أبناء الوطن الواحد ، وتحول الخلافات السياسية أو الاجتماعية إلى صراعات وجودية . في ظل غياب الوعي الوطني، تصبح القبيلة ملاذًا بديلًا للعدالة ، وتُختزل الحقوق في الولاء العرقي لا في الكفاءة أو الاستحقاق .
لقد شهد السودان مآسي إنسانية مريرة كان للقبلية دورٌ مركزي فيها ، خاصة في مناطق مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ، حيث تم تسليح بعض المكونات القبلية وتجييشها ضد الأخرى ، مما أدى إلى ارتكاب جرائم مروعة وتهجير جماعي ودمار شامل للنسيج الاجتماعي .
إن الاستمرار في تغذية القبلية والفهم العنصري سواء عبر الخطاب السياسي أو وسائل الإعلام أو حتى في التعيينات الحكومية ، يعني ببساطة السير نحو الهاوية . فالدولة التي تُدار بمنطق الولاء القبلي لا يمكن أن تعرف الاستقرار أو تحقق التنمية .
لذلك، فإن التصدي للقبلية واجب وطني . يبدأ بتعزيز مفهوم المواطنة ، ونشر ثقافة التعايش ، وبناء دولة يسود فيها القانون لا الانتماء ، والكفاءة لا المحسوبية . كما أن على النخب السياسية والدينية والمجتمعية أن تقف وقفة صادقة ضد هذا الخطر المتجذر ، وأن تبني خطابًا جامعًا يعيد للناس ثقتهم في وحدة السودان وتنوعه .
السودان لن ينهض ما لم تتحول القبيلة إلى جزء من الهوية الثقافية والاجتماعية وإستغلال كل ميزة إيجابية من ميزات افراد مكوناتنا الاجتماعية نحو البناء والتنمية ، لا إلى أداة صراع وتفتيت . فإما أن نرتقي بوطن يجمعنا ، أو نضيع في قبائل تفرّقنا وتهبط بنا إلي قاع الهاوية .