رأي

العتبة النووية وحافة الانفجار

وليد بابكر الريح

فجر الجمعة 13 يونيو 2025، انفجرت المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران على نحو غير مسبوق، بعد سنوات من الحروب بالوكالة والضربات المحدودة. الصواريخ الإيرانية سقطت على العمق الإسرائيلي، فيما ردّت تل أبيب بضربات جوية كثيفة استهدفت منشآت نووية وعسكرية داخل الأراضي الإيرانية، ليجد العالم نفسه فجأة أمام احتمال تمدد الصراع ليطال الخليج وممرات النفط الحيوية، وسط قفزات متسارعة لأسعار النفط تجاوزت 140 دولارًا للبرميل.

في خضم هذا التصعيد، عاد البرنامج النووي الإيراني ليحتل مركز الجدل. فإيران وصلت بالفعل إلى نسبة تخصيب تبلغ 60%، وهي ما يُعرف بـ Highly Enriched Uranium (HEU). هذه النسبة تفوق بكثير ما هو مطلوب للأغراض السلمية (3.67%)، وتضع طهران على بعد خطوة فنية قصيرة من التخصيب بنسبة 90%، أي Weapons-Grade Uranium (WGU)، اللازمة لصنع قنبلة نووية.

ما يفصل إيران عن القنبلة ليس التخصيب فقط. فهندسيا بعد بلوغ نسبة 90%، تبدأ مرحلة ثانية تُعرف بـ Weaponization Phase، تشمل تصميم الرأس الحربي، وإعداد آلية التفجير (الانفجار الداخلي المتزامن)، ثم اختبارات محاكاة دقيقة. هذه المرحلة تستغرق من ثلاثة إلى ستة أشهر إذا توفرت المواد والخبرة. ووفق التقارير الغربية، فإن إيران تملك القدرة الفنية، لكنها لم تتخذ بعد القرار السياسي بالانتقال لهذه المرحلة.

لكما يبدو لا تسعى ايران إلى امتلاك القنبلة بحد ذاتها، بل تسعى لتصبح دولة “على العتبة النووية” أو Nuclear Threshold State، مثل اليابان أو كوريا الجنوبية. وهذا الوضع يمنحها النفوذ المطلوب لفرض شروطها في التفاوض دون دفع كلفة امتلاك السلاح علنًا.
الوصول لهذه العتبة يمكن أن يُوظف كورقة ضغط من أجل صفقة تضمن رفع العقوبات على صادرات النفط والمعاملات البنكية، مقابل التجميد الكامل للتخصيب أو العودة إلى سقف 3.67% المنصوص عليه في الاتفاق النووي الأصلي (JCPOA).

في الميدان، أظهرت الحرب الجارية أن كلاً من إيران وإسرائيل لا يملكان رفاهية التراجع الكامل. إيران أظهرت قدرة غير مسبوقة في ضرب عمق إسرائيل وتعطيل الحياة المدنية فيها، وهو أمر لم يحدث منذ تأسيس الدولة العبرية. فلأول مرة، تجد إسرائيل نفسها في حالة شلل جزئي، مع خسائر في الأرواح والبنية التحتية، وإجلاء داخلي في مدن رئيسية مثل تل أبيب وحيفا.

لكن إسرائيل أيضًا حققت نجاحًا نوعيًا، خاصة على مستوى الاستخبارات، باغتيال عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين داخل إيران، واختراق أنظمة الدفاع الإيرانية عبر القصف الجوي بطائراتها و باستخدام الطائرات المسيرة والهجمات السيبرانية. هذه الإنجازات، وإن لم تمنع الرد الإيراني، إلا أنها وجهت رسالة واضحة بأن يد إسرائيل لا تزال طويلة.

أما الولايات المتحدة، فقد وقفت حتى الآن على مسافة حذرة، تراقب التصعيد دون تدخل مباشر. فواشنطن تدرك أن الحرب وصلت إلى الحد الأعلى الممكن دون أن تتحول إلى كارثة إقليمية، وأن اللحظة المناسبة للتدخل دبلوماسيًا قد تكون لعلها الآن، بعد أن حصل كل طرف على ما يكفي من “الانتصارات الرمزية” ليبرر العودة إلى المفاوضات.

وهنا، يبدو أن الحل الأقرب ليس نصرًا عسكريًا كاملاً لأي طرف، بل (اتفاق هش) يجمّد القتال دون أن يُنهيه. إيران لن تذهب للتفاوض دون أن تُثبت قوتها الردعية، وهو ما حدث بالفعل بعد أن شلّت الحياة في إسرائيل بصواريخها. وإسرائيل لن تعود بلا مكاسب، وقد حصلت على ثمن ذلك باغتيال أبرز رجال الظل في البرنامج النووي والحرس الثوري، وبتوجيه ضربات مباشرة في عمق إيران. أما واشنطن، فستسعى لرعاية تسوية تبقي المنطقة تحت السيطرة، وتمنع أي انفجار شامل في الخليج.

قد لا يكون هذا مشروع هذا الاتفاق دائمًا، لكنه كافٍ في هذه اللحظة لينقذ العالم من كارثة كبرى، ويمنح الأطراف فرصة إعادة التموضع، بانتظار جولة جديدة، قد تكون أكثر خطورة، وأقل قابلية للاحتواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!