رأي

إيران سيناريوهات السقوط أو البقاء

سحر الجعارة

الباحثون عن الحرية والديمقراطية يفرون عادة من «الحكم الدينى»، وأنا أتحسس مسدسى «أى عقلى» كلما رأيت نموذج «حكم المرشد» فى أى بقعة فى العالم، ليس انحيازاً أعمى للتنوير والعالم الحر القائم على العلم.. بل اختيار واعٍ للخطوط الحمراء التى لا أتجاوزها لقبول رموز سياسية أو عمائم مسيسة.. ليس حباً أو كرهاً إنه «دفاع عن الحلم».

فى بداية رحلتى إلى الكتابة والنضال وجدت نفسى برفقة المستشارة «تهانى الجبالى» والدكتورة «نوال السعداوى» والدكتور «شريف حتاتة» و«منى حلمى» فى لندن، ندعم المقاومة الإيرانية «حركة مجاهدى خلق»، فى مؤتمر حمل عنوان «المرأة صوت المقهورين».. بحضور رئيسة الجمهورية المنتخبة للمجلس الوطنى للمقاومة الإيرانية فى المنفى «مريم رجوى».. ولم يكن المؤتمر إلا تلخيصاً لرؤيتى عن رفع القهر عن المرأة: إننا أمام تحدٍ سياسى واجتماعى وثقافى وعقائدى، أمام صدام حتمى مع أخطبوط الاستبداد الدينى والمرأة تقف على خط المواجهة.

شخصية «رجوى» ذات حضور طاغ وآسر تشعر معها بأنها «سيدة تليق بالحكم» وأن تحرير النساء من حكم الملالى قد يكون هدفاً يتجاوز كل حركات التحرير التى درسناها وعشنا بعضها فى مختلف مدن العالم.

منظمة مجاهدى خلق الإيرانية تأسست فى عام 1965 على أيدى مثقفى إيران من الأكاديميين، محمد حنيف نجاد وسعيد محسن وعلى أصغر بدیع زاد، بهدف إسقاط نظام الشاه، وبعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، سعت منظمة مجاهدى خلق إلى إرساء الديمقراطية فى إيران ووقفت على شعار الحرية، وذلك بسبب معارضتها لمبدأ ولایة الفقيه. وهو ما أغضب «روح الله الخمينى»، وعلى الرغم من تعرض أنصار المنظمة لهجوم من قبل أنصار الخمينى، إلا أنهم كانوا ملتزمين بالنشاط السياسى السلمى و«مسعود رجوى» فى خطابات مختلفة عن الحريات الاجتماعية والتركيز السياسى.. وخلال المؤتمر المشار إليه تواصل «مسعود» مع المشاركين بالمؤتمر عبر الستالايت.

فى هذه الآونة كانت حركة مجاهدى خلق لها «جيش نظامى» بالمعنى الحرفى للكلمة، يتمترس على الأراضى العراقية، فقد احتضن «صدام حسين» المعارضة الإيرانية بعد حربه الطويلة مع إيران.

عانت المنظمة من التضييق والمطاردة بتصنيفها «إرهابية» مثل كل حركات المقاومة المسلحة فى العالم، حتى رفعت الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبى اسمها من الكيانات الإرهابية، ثم فى تطور دراماتيكى سقطت بغداد فى مارس 2003.. وهكذا تم إصدار قرار بالإجماع من مجلس الحكم العراقى بطرد عناصر المنظمة من مدينة أشرف العراقية إلى خارج البلد وغلق مقراتها ومنعها من ممارسة أى نشاط.. وأصبحت منظمة مجاهدى خلق متنقلة من دولة أوروبية إلى أخرى.

لماذا أكتب عن المعارضة الإيرانية الأكثر تنظيماً وتمرساً الآن؟ لقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الخميس، رداً على تصريحات وزير دفاعه بشأن المرشد الإيرانى على خامنئى، فى مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية: «أصدرتُ تعليماتى بأنه لن يتمتع أحد بالحصانة فى إيران».

وزير الدفاع الإسرائيلى «يسرائيل كاتس» كان قد قال: إن إعصاراً يجتاح العاصمة الإيرانية طهران، معتبراً أنه من خلال هذا المسار يتم سقوط الديكتاتوريات. وتابع كاتس فى منشور له على منصة «إكس»: أن «إعصار يجتاح طهران. يتم قصف رموز القوة وتنهار، وقريباً أهداف أخرى، مع فرار أعداد غفيرة من السكان. هكذا يتم سقوط الديكتاتوريات».. وأضاف: «يجب أن يتذكر المصير الذى حل بديكتاتور جارة إيران (العراق) الذى تعامل بهذا الأسلوب ضد إسرائيل».. فهل يتكرر نفس السيناريو بنفس الأحداث ويتفكك الشرق الأوسط بأكمله لأجل «خاطر إسرائيل»؟!!.. إنها معادلات غاية فى الوحشية أشبه بانهيار الاتحاد السوفيتى بعد الإصلاحات التى عرفت باسم البيريسترويكا (إعادة البناء والهيكلة) والغلاسنوست (الانفتاح وحرية التعبير) والتى طبقها «ميخائيل جورباتشوف».

لو تخيلنا وافترضنا جدلاً أن هذا السيناريو مرشح للحدوث فسوف تنفجر إيران كالبركان، وتتشتت العقول التى تنفذ مشروعها النووى، وتنقسم البلاد إلى دويلات فقيرة ومتصارعة، ويتم تصدير الإرهاب لبلادنا ويسقط آلاف الشهداء.. إنه كابوس بالمعنى الحرفى للكلمة.

ولا يبدده الافتراض الرومانسى سياسياً القائل بأن انتقال الحكم إلى حركة «مجاهدى خلق» أو تشكيل مجلس حكم قد يكون البديل الآمن.. لا أمن فى سقوط دولة بحجم إيران، مهما اختلفنا معها، ومع كل قصف من إسرائيل لإيران نقترب من النهاية التى أتمنى ألا تكون مروعة.

أتصور أن كلمة السیدة «مریم رجوی» فى البرلمان الأوروبى -استراسبورغ – 18 يونيو 2025 تستحق قراءة جيدة، فيما بعد، لأنها ركزت على إسقاط النظام، وقالت: «الحلّ الوحيد لهذه الحرب والأزمة هو إسقاط هذا النظام وتغييره على يد الشعب والمقاومة الإيرانية. نعم، هناك بديل يملك برنامجاً واضحاً وسجلاً طويلاً من النضال المتواصل ضد هذا النظام الدينى الاستبدادى).. لكن الشعوب العربية التى رأت فى طهران «بطولة مطلقة» وقصاصاً عادلاً لأهالى غزة من إسرائيل تستبعد هذا السيناريو، وترى فيه إنكاراً لما أظهرته طهران من صمود وتحد رغم خسائرها البشرية والعلمية.. وللأسف قد يكون السيناريو الآخر أكثر إيلاماً للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!