الشاعر والقاص أنس عبدالصمد في بوح خاص لـ”التنوير” .. الحرب الحالية هي نتاج لعدم اكتمال مشروع الثورة ووصولها لنهايتها

جذبتني الكتابة الى عوالمها في المرحلة الثانوية
منذ بداية الحرب انحزت للحق والعدل والسلام
للثقافة والأدب مساحة خاصة في منصة (التنوير) حيث طرحت المنصة عدد من الأسئلة ووضعتها أمام الشاعر والقاص أنس عبدالصمد والتالي كانت التفاصيل:
حاوره: محمد الحبيب يونس
وأهلا وسهلا بك الإعلامي والشاعر والقاص أنس في جريدة التنوير؟
مرحبًا بالصديق محمد الحبيب يونس ومرحبًا بصحيفة التنوير، أتمنى مرورًا رشيقا على عقول القرّاء
بداية نريد بطاقة تعريفية مختصرة عن أنس عبدالصمد ومتى وكيف ولماذا دخلت عالم الكتابة الأدبية؟.
أنس عبدالصمد من مواليد ولاية جنوب دارفور في العام 1992م صحفي وأكتب الشعر والقصة جذبتني الكتابة إلى عوالمها في مرحلة الثانوية حيث العمر ينفتق من حيز الطفولة إلى براح الصبية، والمراهقة تشد المخيلة إلى منابرها لإقناع أسراب من عصافير الرهافة.
ماهي أول أعمالك الأدبية؟
كتبت أول قصيدة وأنا أضج بالمشاعر بين ألم وأمل، في العام 2007 وأنا أغادر منزلنا لإكمال دراستي، وأفارق أمي العزيزة الأستاذة سواكن محمد أحمد متعها الله بالصحة والعافية، لأشق طريقي في فضاء مكتظ بالتناقضات لذا كنت هناك لحظتها تمدد القلب لينقر النبض موسيقاه عليه، وانبسط الخد لتكتب الدموع حنينها عليه، واكتمل النص الأول على قرطاسه في مقعد داخل بص أولاد البرعي للسفريات من برام إلى أمدرمان، في رحلته السنوية، حينها دشنت مشروع الشعر بقصيدة عن فراق أمهاتي سواكن وبرام.
أما لماذا دخلت عوالم الكتابة، فهذا سؤال تجيد إجابته الكتابة أكثر مني، كل ما أعرفه هو أنها هي من اختارت أن تقتحم سريرتي ومخيلتي وأنا من اخترت أن أصير جنديّ لها.
لأي جنس يميل أكثر أنس للشعر أم للكتابة القصصية؟ كل ما في الأمر أن لكل منهما مساحته الخاصة في مشروعي الإبداعي، وكل له سحره وتأثيره، بيد أن الشعر يقع موقع الروح من الجسد، يفرض سطوته على اليراع يبثك ذاته، يقتحم السريرة دون طرق لباب العقل أو استئذان، فينسكب على الورق منسابا كما روحه التي ننتشي بها ونثمل بها غيرنا.
أما كتابة القصة فهي عمل تستطيع التمهل والتخطيط له مسبقًا وكتابته متى ما قررت أن تكتب، لذا أنا أكتب الشعر عندما يريد هو وأكتب القصة عندما أريد أنا، ويتجاذبان قلبي بين الفينة والأخرى.
يشاع أن السرد أفضى براحًا من الشعر في استيعاب وتجسيد الرؤى والتجارب ما رأي أنس في هذا الزعم؟
هذه تعتمد على براعة الكاتب في المقام الأول، نعم السرد أكثر حرية وأوسع أفقًا، تستطيع أن تقول ما تريد بأريحية فيه لا قيود إبداعية فيه، فقط يحتاج إلى سعة في البال وصبر والقليل من التكنيك والممارسة والاستمرارية، والقليل من الموهبة معززة بالمعرفة والمثابرة.
“الكتابة هي من اقتحمت سريرتي، وأنا اخترت أن أكون جنديًّا لها”
تشخيص عاطفي عميق لعلاقة الكاتب بالإبداع، يمنح الكتابة هالة القدَر والانتماء.
أما الشعر هو محكوم بمجموعة من القواعد حتى بعد تجاوزه للقيود الأصولية ومحاولة بث روح التجديد والحداثة فيه، تظل كتابة الشعر أمرًا صعبًا، لكن مع ذلك هناك شعراء استطاعوا أن يجعلوا من الشعر فراشة تحلق برشاقة في فضاءات استعصت على كتاب السرد أن يحلقوا فيها، لذا كما أشرت سالفًا، هذه تعتمد على براعة الكاتب وإتقانه فيما يكتب أي الاحترافية في مجال الكتابة التي يختارها.
هل تذكر نصوصك الأولى وما الفرق بينها وبين نصوص هذه المرحلة؟. بمعنى هل يمكن الآن أن نقسم تجربتك الكتابية لحقب معينة كل حقبة لها ملامحها الخاصة؟.
أذكر بعضها وما زلت أحتفظ بجزء منها بعد أن كنت أقسو على تجربتي الشعرية بإزالة النصوص القديمة للاجتهاد في إنتاج جديد جيد يرتقي بالتجربة، اكتشفت أن هناك نصوص قديمة جديرة بالاحتفاظ بها والمشاركة بها في المنابر.
الفرق بين النصوص الأولى والآنية هو أن الأولى مليئة بالعاطفة رغم أنها فقيرة من حيث التراكيب والتكثيف الصوري، فقيرة من الكثير من عناصر القصيدة لكنها مرحلة من مراحل تكوين وبناء التجربة.
أما النصوص الحالية فهي امتداد لتلك النصوص ولا أحسبني أني تجاوزتها لمراحل بعيدة فأنا ما زلت في أول الطريق والكتابة أمر لا نهائي، فمتى شعر الكاتب أنه وصل غايته ومجده ذاك قد حكم على تجربته بالموت، لذا أحسبني سأكون دومًا على الطريق. ولا أحسب أني تجاوزت عتبة البدايات كثيرًا.
ديوانك تمائم أبنوسية الذي صدر في العام ٢٠٢٣ نريد أن نتعرف على سبب اختيار هذا العنوان ؟
تمائم هو تجربة في الكتابة الرومانسية يحمل حقولا من الورد وأنهرًا من الرحيق وفضاءً من العبق لكل أنثوات بلادي في سوداننا الكبير، لذا كان لابد للأبنوس أن يعتلي صدر الديوان فهو حافل بالتغني للأنثى السودانية التي تتجلى فيها روح الوطن، وإشراق الغد، وسمو المستقبل، ونهضة الجيل، لتحمل السمراء معها الوطن بموروثه الثقافي والاجتماعي وهي تغازل أغصان الأناناس في الاستوائية وتراقص شلالات جبل مرة في وسط دارفور وتتماهى مع خضرة سهل البطانة وسط مراعي الإبل، لذا كان لابد للأبنوسية أن تربط التميمة موروثها في الصحراء والغابة، وتسير في البلاد بطمأنينة وسكينة وأمل.
“أكتب الشعر عندما يريد هو، وأكتب القصة عندما أريد أنا”
جملة لافتة تختزل العلاقة الروحية بين أنس والنص، وتعبّر عن تلقائية الشعر مقابل عقلانية السرد.
ما دور أنس الشاعر في ثورة ديسمبر؟
أنس في هذه الثورة دوره دور أي شاب سوداني مؤمن بحتمية التغيير متضرر من الأنظمة الشمولية، رأى في نظام الإنقاذ الهالك ضرورة السقوط إلى قاع النسيان ومذبلة التأريخ، كنت أفعل ما يفعله رفاقي من اجتماعات الأحياء السرية للتخطيط إلى وصول ميادين المظاهرات وتكوين المواكب الميدانية إلى كتابة نصوص ثورية منها ما تغنى به بعض الفنانين ومنها ما نشر في الصحف لزيادة الوعي ومنها وما صدحت به في المنابر، وذاك أقصى ما يمكن للروح أن تقدمه، ولو كنت أستطيع فعل أكثر من ذلك لفعلت.
وما دور أنس الشاعر في ما يجري الآن في السودان؟
ما يجري الآن ليس بمعزل عن السؤال الذي سبقه، فالحرب الآن هي نتاج لأخطاء تمثلت في عدم اكتمال مشروع الثورة ونهايته بصورة غير مثالية مما خلق وضعًا معقدًا كانت نتيجته الحتمية أن تحترق البلاد، وهنا لا مكان للحياد فأنا منذ البدء منحاز للحق والعدل والسلام، منحاز لليد التي وإن حلمت البندقية إلا أنها صحبت مع البندقية راية السلام، واستجابت لدعوات عديدة طالبت بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وأنا في حقيقة الأمر كنت على ثقة وقناعة أن هذه الحرب إن لم تنهي فوضى الحركة الإسلامية ولم تمحها من الوجود، لن ينال هذا البلد خيرًا، وهذه فرصتنا الأخيرة لنقيم بلدًا معافى من تلوث الإسلام السياسي، وإلا فعلى الوطن السلام.
هل يمكن أن نتعرف على التحديات التي تواجه كتاب اليوم وكيفية التعامل معها؟
الكتاب مشكلاتهم جمة ومنها ما نستطيع معالجتها ومنها ما يصعب معالجتها، لذا على الكاتب إذا أراد أن ينتج عملا جيدًا أن يطور من قراءته قبل أن يكتب، لأن بناء قدرات الكاتب تأتي من القراءة والقراءة تحتاج إلى وقت والوقت ليس بيد الكاتب لأنه إن تفرغ للكتابة فلن يجد مأكلا ولا مشربًا ولا مسكنًا، في ظل إهمال الدولة لدورها في توفير مناخ رعاية يساعد الكاتب في عملية الإنتاج، فالكتاب هم أفقر شرائح المجتمع وأكثرهم معاناة وهنا يأتي الصراع بين مشروع الإنتاج الفكري والإبداعي وبين توفير التزامات المعيشة ومقاومة بؤس الحياة بين أن تكتب فتنتصر أو تعمل فتعيش، عوضًا عن ذلك مشكلات النشر تعتبر من أساسيات ما يواجه الكاتب وكل ذلك يرتبط بالعامل الاقتصادي لأنك لو توفر لك المال فأنت ستسكن جيدًا وتأكل جيدًا وتقرأ جيداً وتصدر مخطوطاتك عبر دور النشر بصورة جيدة، بيد أن الكتاب فقراء يا صديقي.
“الأنثى السودانية في تمائمي .. هي إشراق الغد وسمو المستقبل ونهضة الجيل”
جماليات لغوية مشبعة بالانتماء والاعتزاز، تلخص فلسفة ديوانه “تمائم أبنوسية” وتؤنسن الوطن في صورة المرأة.
تقييمك للمشهد الأدبي في السودان والوطن العربي بشكل عام وهل ما زالت القصيدة العربية هي ديوان العرب؟
أنا لست من لديه المعايير ليقيم المشهد فأنا ما زلت في أول الطريق، لكني أستشعر من خلال وجهة نظري الشخصية، أن المشهد السوداني مليء بالتناقضات وبه أسماء أدبية تتبوء مكانة متقدمة في المشهد الأدبي والفكري والإبداعي، كما هناك ما تنأي الأقلام عن وصفه من الرداءة والانحطاط والسقوط الأخلاقي في المشهد السوداني، وعلى كل هذا هو عصر الحريات فستجد التناقض في المشهد أمر غير مستغرب، كذلك الأمر في الوطن العربي ما اختلاف أن هناك بلدان تعتبر رائدة في المشهد العربي وأخرى تصدر أجيالا جديدة مبشرة بمستقبل أفضل للأدب، أما ديوان العرب فقد نافسته الرواية بصورة خاصة والسرد بصورة عامة، لكن هناك بلدان أعادت إلى الشعر مكانته بعد أن تم تهميشه فترة من الزمان، وأخص هنا بالتحديد دولة الإمارات العربية المتحدة فالتحية لشعب الإمارات وحكومتها ومبدعيها لاهتمامهم بالمعرفة بصورة عامة وبالأدب والشعر بصورة أخص.
تجارب تأثر بها أنس؟.
أنس تأثر بكل حرف قرأه بكل كتاب تصفحه، بكل مفكر وأديب وكاتب التقى به فالتجارب الإبداعية لا تستمد تطورها من جنسها فقط بل ما أجناس أخرى علمية أكاديمية تجارب حياة مجالسة أشخاص مختلفين كل من التقيت بهم في حياتي كانوا إضافة حقيقية لتجربتي الشعرية التي اعتبرها منبثقة من تجاربي الحياتية.