رأي

حاصروهم… ليبقى الوطن

نجم الدين دريسة

الخطر الداهم والمهدِّد لأي مشروع وطني هو جماعات الهوس الديني وقوى الظلام؛ لأن الأسوأ في هذه الجماعات أنها منغلقة عقائديًا، نافية للآخر، وغير قادرة تمامًا على التعايش. وبالتالي، ظلّت تستخدم كل الوسائل غير المشروعة لتحقيق أهدافها، وتتبنّى العنف بشكل ممنهج، وتتخذ من الإعلام وسيلة لتضليل الرأي العام. والمؤسف أنها تُضفي على كل انتهاكاتها قدسية، وتدّعي أنها تمثل ظل الله في الأرض، لأنها عاجزة عن تقديم أدلة مادية تستند إلى حوامل منطقية، فتجدها سادرة في غيّها، متموضعة في عالم غيبي.

**هذه الجماعات البغيضة أذىً منها السودان طيلة ثلاثة عقود من الزمان ولا يزال؛ فهي جماعات تفوق “سوء الظن العريض”، على حدّ تعبير الشهيد الأستاذ محمود محمد طه. لديهم سجلّ مليء بالمخازي والانتهاكات والفظائع التي تمّت مع سبق الإصرار والترصّد، وعمدوا إلى شيطنة القوى السياسية بمصادرة حريّاتها وحرمانها من أنشطتها، بل خلقوا أجهزة أمنية ارتكبت موبقات، ومبذولٌ لكل الشعب ما ظلّ يقوم به جهاز أمنهم القمعي، الذي بدأ بـ”دق مسمار” على رأس طبيب، وانتهى بإدخال خازوق في دبر معلّم، وغيرها من وسائل التعذيب التي تؤكد أن هذه الجماعات مأزومة نفسيًا. وحقّ للروائي الطيب صالح أن يطرح تساؤله مستنكرًا سلوك هذه الجماعة حينما قال: “من هؤلاء؟ ومن أين أتوا؟”

يصعب جدًا حصر انتهاكات هذه الشرذمة؛ فقد أطاحوا بالنظام المدني عبر انقلابهم المشؤوم في 30 يونيو 1989م، وقطعوا الطريق أمام السلام، وحوّلوا الحرب في الجنوب إلى حرب جهادية، غَرَّروا فيها بالشباب وقادوهم إلى محارق أبادوا فيها شعب الجنوب باسم الدين، وارتكبوا جرائم وانتهاكات لتثبيت حكمهم القائم على التسلط والاستبداد والبطش وكل أشكال الفساد. علاوة على جرائم اغتيال أبناء إقليم دارفور، والتصفيات الجسدية مثل جريمة اغتيال محمد طه محمد أحمد، وعملية الذراع الطويل، وهذه التصفيات لم ينجُ منها حتى منتموهم من الإسلامويين.

يُضاف إلى ذلك الاقتياد القسري لطلاب الشهادة السودانية إلى حرب الجنوب، وضحايا معسكرات التدريب، والاغتيالات التي وقعت في معسكر العيلفون. كما أنهم خلقوا وصنعوا الفتن والنزاعات القبلية بين الكيانات الاجتماعية في إقليم دارفور عبر الاستخبارات العسكرية، إلى جانب تصفية الشباب المتظاهرين في سبتمبر 2013م، ومجزرة القيادة العامة.

كما نهبوا وسرقوا ما لا يقل عن ثلاثمائة مليار دولار من موارد السودان: عائدات البترول، والذهب، والثروة الحيوانية، والمحاصيل النقدية، إلى جانب اختراقهم واختطافهم لمؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وعلى رأسها الجيش، الذي أصبح الجناح العسكري للحركة الإسلاموية. هذا غيض من فيض جرائمهم، وآخرها إشعالهم لهذه الحرب، بهدف إخفاء ومحو كل تلك الانتهاكات.

التصالح مع الكيزان يُعد جريمة كبرى في حق الوطن، فالكوز كائن ضال، مضلّ لغيره، لا يُرجى صلاحه، ولا يمكن أن يُؤتمن على الوطن.

حاصروهم… ليبقى لكم وطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!