رأي

السودان؛ نحو وطن متسامح يسع الجميع

صالح السليمي

في لحظة وطنية فارقة، تقف بلادنا على مفترق طرق: إما أن نواصل السير في طريق الكراهية والتمزق، أو نختار طريق التسامح والتلاقي وبناء وطن يسعنا جميعًا، باختلافاتنا وتنوعاتنا. والحقيقة التي لا تقبل الجدل أن السودان بلد غني، ليس فقط بثرواته الطبيعية الهائلة من مياه وأرض ومعادن ونفط، بل بثقافاته المتعددة، وشعوبه المتنوعة، وتاريخه العريق الذي يمتد لآلاف السنين. لدينا من الموارد ما يكفي لتكون بلادنا منارة للسلام والرفاه في القارة، لكن ذلك لن يتحقق ما لم نُحسن إدارة هذا التنوع وننظر له باعتباره مصدر قوة لا سببًا للفرقة.

علينا أن نبدأ بتفهم اختلافاتنا، مهما كانت ثقافية أو جهوية أو دينية أو لغوية. هذا التعدد يجب أن يكون لبنة في بناء سودان المستقبل لا معولًا للهدم. لا يمكن أن نحلم بدولة حديثة ومتقدمة دون أن نعترف أولًا بذاتنا كما هي، بكل ما تحمله من خصائص وتفاوتات، ونكتشف أن الآخر ليس تهديدًا بل مرآة تكشف جوانب من وطننا نحن بحاجة لرؤيتها وتقديرها.

لقد علمتنا تجربة انفصال جنوب السودان درسًا قاسيًا لا يزال أثره شاخصًا حتى اليوم. لم يكن الانفصال نتيجة اختلافات ثقافية فقط، بل ثمرة مريرة لسنوات طويلة من الكراهية والتمييز والتهميش. عوضًا عن معالجة الجراح، فُرض على الجنوب واقع التمييز والتشكيك، فبات التعايش مستحيلًا، ليس بسبب الأسلاك الشائكة، بل بفعل الحواجز النفسية والاجتماعية التي بنيت من مشاعر الاستعلاء والخوف. وهكذا، رحل الجنوب بخيره وجماله ولطف إنسانه، لأنه لم يجد من يحتضنه بمحبة وعدالة.

إننا اليوم نعيش واقعًا جديدًا لا يختلف كثيرًا في خطورته عمّا سبق، وربما يفوقه في تهديده لبقاء الدولة نفسها. لهذا، فإن الواجب الوطني يقتضي أن نتوقف، أن نراجع أنفسنا، وأن نسأل بصدق: ما الذي نريده حقًا؟ هل نريد وطنًا موحدًا ينعم فيه الجميع بالكرامة والعدالة؟ أم نواصل الانحدار في مستنقع الانقسام الذي لا يُنتج إلا الألم والدمار؟

تعالوا جميعًا، مهما كانت خلفياتنا، نجلس إلى طاولة الوطن بشجاعة وصفاء، نُعيد اكتشاف بعضنا البعض، ونعيد الاعتبار لفكرة “الاحترام المتبادل” كأساس للعلاقات بيننا. إن الحب هو اللغة الوحيدة التي يمكن أن تُبنى بها الأوطان، أما الكراهية، فهي لا تصنع إلا الأنقاض. السودان بلد يستحق أن نمنحه المحبة قبل أي شيء، وأن نراه من خلال عيون التقدير لا عيون الريبة والتوجس.

ليس من العيب أن نختلف، ولكن العيب أن نحول اختلافنا إلى عداوة. وليس من الضعف أن نتسامح، بل تلك هي القوة الحقيقية التي تبني الشعوب وتصنع المجد. فلنجعل من هذه اللحظة بداية جديدة، نؤمن فيها أن لا خلاص لنا إلا معًا، وأنه لا أحد يمكن أن يُقصي الآخر أو يستأثر بالوطن وحده.

فلنمدّ أيادينا لبعضنا البعض، ونرسم سودانًا يليق بأحلامنا، سودانًا متسامحًا، عادلًا، وآمنًا… يسع الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!