رأي

من يعرقل الإغاثة؟ مجلس الأمن يسأل… والشعب يموت!

منعم سليمان

في ظلال الفاجعة السودانية الممتدة، حيث لم يعد الموت استثناءً، بل قاعدة يومية تتكرّر على امتداد الجغرافيا المنكوبة، وحيث يتقوّس الجوع على أفواه الأطفال كحدّ السكين، وحيث تحوّلت المجاعة إلى فضيحة أخلاقية في ضمير الإنسانية، يقف العالم مجددًا أمام واحدة من أبشع الكوارث التي شهدها العصر الحديث. مأساة لم تولد من فراغ، بل جاءت تتويجًا لمخطط سياسي جهنمي، تحرّكه أنياب الإسلاميين *الكيزان* الذين أوقدوا نار الحرب، واتّخذوا من المعابر والدواء والغذاء أسلحةً قذرةً في حربهم ضد شعبهم.

أمس، خاطبت مندوبة الولايات المتحدة مجلس الأمن بلهجة حازمة: 72 ساعة فقط لأطراف النزاع لفتح المعابر، وتمرير المساعدات، وإيقاف التعطيل البيروقراطي المهين لدخول المنظمات الإنسانية، الممارَس من بعض أطراف السلطة، مؤكدة أن المعرقلين سيخضعون للمساءلة الدولية. ولكن السؤال الجوهري الذي يتجاهله الكثيرون: من هؤلاء الذين يعرقلون منح تأشيرات الدخول؟ من الذي يسرق الغذاء ويوزعه على الميليشيات والكتائب المسلحة، ويبيع ما تبقّى في الأسواق، بينما يتساقط أطفال السودان جوعًا من دارفور وحتى الخرطوم؟

الجواب واضح وضوح الشمس في كبد الظهيرة: إنهم الكيزان، فلول الحركة الإسلامية، الذين تحكّموا برقاب السودانيين لثلاثة عقود، وعادوا اليوم من ثُقب الحرب ليديروا سلطة الأمر الواقع في بورتسودان. هؤلاء الذين اختطفوا الأجهزة العسكرية والأمنية، ووزارة الشؤون الإنسانية، ووزارة الخارجية وسفاراتها في الخارج، ورفضوا إرسال وفدهم إلى *مؤتمر جنيف* لمناقشة سبل الإغاثة، غير آبهين بجثث عشرات الآلاف المنتشرة على امتداد السودان، ولا بحياة ملايين آخرين موتى على قيد الحياة!

وهم لا يخفون نواياهم، بل يجهرون بها: *”إما عودتنا إلى الحكم، أو لا سودان”.* في عُرفهم، الوطن ليس أكثر من ممر إلى السلطة، والشعب ليس سوى درع يُضحّى به لهذه الغاية.

إنها ليست حربًا بين الجيش والدعم السريع كما يروّج الإعلام المتواطئ، بل حرب وجودية بين الحركة الإسلامية المتجذّرة في مفاصل الدولة، وبين شعبٍ يحلم بالحرية والكرامة. كما أن المجاعة التي تضرب السودان اليوم ليست مجرد كارثة طبيعية، بل نتيجة مباشرة لتواطؤ سياسي ممنهج، جعل من الجوع حصارًا، ومن الإغاثة غنيمة حرب.

نعم، لإيصال المساعدات وفورًا، لكن الحل الجذري لا يكمن في إسقاط المساعدات، بل في إسقاط من يمنع وصولها. فلا شفاء للجسد السوداني ما دام *الكيزان* ينهشون قلبه. على المجتمع الدولي أن يكفّ عن مواربة الحقيقة: الضغط يجب أن يُسلّط على سلطة بورتسودان لاستخدامها الغاشم للسلطة، ولعلاقتها البنيوية مع من فجّروا الحرب.

حين ينكسر هذا التحالف المتوحش الجبان بين الإسلاميين وبعض جنرالات الظل، ستنساب الإغاثة كما ينساب الماء في العروق، وسينهض السودان من تحت أنقاضه… حرًّا، مدنيًّا، آمنًا، وشبعانًا وريّانًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!