
حتى لحظة كتابة هذه السطور، ما زالت الإدانات والعقوبات المفروضة على ما يُعرف بـ”الجيش السوداني” خجولة ولا ترقى إلى حجم الفظائع التي ارتكبها من انتهاكات جسيمة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تذهل من هولها العقول وتشيب لها الولدان. ويُقال في هذا السياق: “من أَمِنَ العقاب أساء الأدب”؛ وهي مقولة تنطبق تمامًا على هذا الجيش الذي لم يتورع عن تجاوز القوانين والأعراف، فتمادى في سفك الدماء وارتكاب المجازر، مستندًا إلى حصانة غير مبررة وصمت دولي مريب.
لقد تحوّل هذا الجيش، منذ نشأته، إلى أداة للقمع لا مؤسسة وطنية. مارس القتل والبطش بحق المدنيين، واستخدم الأسلحة المحرمة دوليًا، وفتح أبوابه للإرهابيين، وتحالف مع محاور إقليمية معادية، ففقد بوصلته الوطنية، وانحاز لمصالح ضيقة وأجندات خارجية. الأخطر من ذلك، أنه أصبح مؤسسة منغلقة تُدار من قبل نخبة اجتماعية بعينها، ما جعله واحدًا من أكبر مهددات الوحدة الوطنية وبؤرة لتغذية العنصرية وخطاب الكراهية، فضلًا عن تغلغله العميق في الصراع السياسي.
وما يُضاعف من تعقيد هذه الصورة القاتمة، هو تطبيع الشعب السوداني -رغم معاناته المباشرة- مع وجود هذا الجيش، والتسليم بسياسة الأمر الواقع، بفعل التضليل الإعلامي الرسمي الذي مجّد الجيش عبر الأغاني والشعارات، مقدمًا إياه كـ”حامي حمى الوطن”، بينما كان في الواقع سارقًا لمقدراته وقاتلًا لشعبه. يكفي دليلاً على ذلك صمته تجاه احتلال مصر لمدن سودانية عزيزة مثل حلايب وشلاتين وأبورماد.
بهذا السجل الملطخ بالدماء، وبهذا الضعف البنيوي، سيستمر الجيش في ارتكاب الفظائع، مستخفًا بمصير السودانيين، غير آبه بكوارثهم الإنسانية. لقد رفض عشرات الهدن، ومنع مرارًا وتكرارًا دخول المساعدات الإنسانية، وقطع الطريق أمام أي تفاوض سياسي جاد بشأن مستقبل البلاد، وكأن قدر السودان أن يبقى رهينة لجماعة من الجنرالات المعزولين عن الواقع، المتحالفين مع قوى الظلام.
وإن أخطر ما يعكس نذالة هذا النهج هو الاستخدام الموثق للأسلحة الكيميائية، واستهداف المدنيين عمدًا، وتدمير البنية التحتية، في جرائم ترقى إلى الإبادة الجماعية. إن الجيش السوداني، في شكله الحالي، هو جيش مختطف من قبل جماعات دينية متطرفة، ومتحالف مع قوى الثورة المضادة، ولذلك فإن كبح جماحه وفرض عقوبات رادعة عليه بات أمرًا ضروريًا لا يحتمل التأجيل. فبغير ذلك، سيكون السودان موعودًا بجولات جديدة من العنف والعنف المضاد، ستقود حتمًا إلى كوارث أشد وطأة مما شهدناه حتى الآن.