حوارات

المحامي والقيادي البارز في تحالف تأسيس حاتم الياس في مقابلة مع “التنوير” 

المحامي والقيادي البارز في تحالف تأسيس حاتم الياس في مقابلة مع “التنوير” 

  • ستلاحق المحكمة الجنائية الدولية قريبًا كيكل والمصباح بتهمة ارتكاب جرائم حرب بولاية الجزيرة 
  • الجميع يريد أن تبقى قوات الدعم السريع حبيسة الصورة النمطية التي رسمت لها منذ أحداث دارفور القديمة 
  • يجب الاعتراف بوجود الدعم السريع كجزء من المعادلة، والنقاش حول رؤيته وأدواره 
  • الدعم السريع فاعل رئيسي في الحياة السياسية، وله امتدادات داخل المجتمع ومناطق واسعة من السودان.

توقع المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، والقيادي الأبرز في تحالف السودان التأسيسي، حاتم الياس، ان تصدر المحكمة الجنائية الدولية، أوامر بالقبض على من قائد مليشيا درع السودان أبوعاقلة كيكل، وقائد جماعة البراء بن مالك الإرهابية المصباح أبوزيد طلحة وعدد من قادة جهاز المخابرات العامة، لتورطهم في ارتكاب انتهاكات وجرائم غير مسبوقة بولاية الجزيرة أواسط السودان. وقال المحامي حاتم الياس في مقابلة مع “التنوير” أن السودان التأسيسي يمثل مرحلة محورية في مسار الانتقال السوداني، وهو بمثابة حجر الزاوية في الخروج من دوامة الأزمات التاريخية والمتلاحقة التي بدأت منذ استقلال السودان في عام 1956.

هناك اتهامات توجه للمحامين والمدافعون عن حقوق الإنسان، بالتقصير في رصد الإنتهاكات التي ترافقت مع استمرار الحرب أنت كواحد من هذه الشريحة هل لديكم أي مجهودات لرصد هذه الانتهاكات الحرب؟

– حاليا حتى المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان سقطوا في حالة الاستقطاب التي صنعتها هذه الحرب لأسباب مناطقية واجتماعية وسياسية الى حد ما، شخصياً كنت جزء من محامو الطوارئ لفترة طويلة ومسؤول عن صفحتهم الإعلامية مع آخرين،

“قادة عسكريون بارزون قد يواجهون العدالة الدولية قريباً بسبب فظائع ارتكبت في الجزيرة.”

وهناك أيضًا مجموعة محامو الطواري وهيئة محامي دارفور والمجموعات النسوية أيضا احتوتها حالة الاستقطاب السياسي وفي أحسن الحالات يصدرون بيانات أقرب لمسلك العلاقات السياسية العامة حينما يتعلق الأمر بانتهاكات الجيش هنالك لغة حذره ومخففه وكانها تقول (ليه عملتو كده) لكن اذا كانت هناك انتهاكات من قبل الدعم السريع تنطلق قدرات التعبير والوصف وتذهب الى أقصى حد في الأدانة. بجانب ان ضعف التمويل لم يحررهم كما هو متوقع من اشتراطات المانحين وتوجهاتهم بل تركهم في (صقيعة) لم تجد غير الصيغ السياسية والهتافية أفقدتهم الحياد وقلت هنا أن السبب هو حالة الاستقطاب التي خلفتها الحرب فقد عاد هؤلاء المدافعون الى مرابط القبيلة ووجدنا ان مجتمع مدني كامل تخلي عن الحياد ورجع “بلبوسي”.

 لماذا تأخرتكم في الكشف عن انتهاكات أفراد الجيش والجماعات المتحالفة معه خاصة الانتهاكات التي وقعت بولايات الجزيرة والخرطوم؟

– رصدنا هذه الانتهاكات للجيش في الجزيرة ولدينا ملفات تشيب لها الرؤوس وهناك شخصيات أخرى ستلاحقها الجنائية الدولية واتوقع خلال شهور قليلة مطالبة المحكمة الجنائية بتسليمهم مثل كيكل والمصباح وبعض قادة جهاز الأمن.

هل لديكم اي إتصالات او تعاون مع تحالف صمود المهتم بعملية إنهاء الحرب واسترداد الثورة؟

– ليس لدينا اتصالات مع تحالف صمود كمؤسسات ولكن كافراد وبحكم الصداقة والموقف العام معظمهم مقتنعين تماما برؤية تأسيس لكن لديهم تقديراتهم الحزبية التي تتعلق باحزابهم لكن من المؤكد قريباً جدا ستلتئم صمود وتأسيس معا في تحالف واحد (بس هم دايرين يباروا تقديرات بعض عضويتهم الخائفة والرافضة الدخول في تأسيس لآخر خطوة واخر باب فبينهم من يعتقد ان الحوار مع جماعة بورتسودان مازال فيه أل وشايلهم حنين لساحل بورتسودان وانا خايف عليهم تبقى عليهم اغنية العميري (فترته من السواحل ديل وغشوني المراكبية).

البعض يصف دخولك في تحالف السودان التأسيسي بالقرار الخاطئ والغير مدروس.؟

– تحالف “تأسيس” كان في الواقع لحظة مفصلية ومهمة جداً في التاريخ السياسي السوداني. كثيرون تعاملوا مع هذا التحالف إما بشراسة شديدة وبنقد كاسح. وغير موضوعي على عكس معظم التحالفات التي عرفها السودان من قبل. لا يوجد تحالف سياسي في السودان تعرض للهجوم والنقد كما تعرض له تحالف تأسيس، وأرى أن ذلك أمر مفهوم، لأن هذا التحالف يُجسّد تحولاً نوعياً وتاريخياً كبيراً في المشهد السياسي السوداني.

أعتقد أن الهجوم العنيف الذي وُجّه إلى تأسيس، سواء من الأصدقاء أو الخصوم، لا يعود فقط إلى مشاركة الحركة الشعبية فيه، كما قد يظن البعض، بل في الأساس إلى مشاركة قوات الدعم السريع. فالسؤال الذي يثير الجدل هو: كيف تجرؤ قوات الدعم السريع على أن تكون جزءاً من تحالف سياسي له برنامج ورؤية لإدارة الدولة السودانية؟

– الجميع يريد أن تبقى قوات الدعم السريع حبيسة الصورة النمطية التي رسمت لها منذ أحداث دارفور القديمة، تلك الصورة التي قادت إلى توجيه الاتهامات إلى البشير وآخرين، ومطالبتهم بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية. الصورة المطلوبة هي أن تبقى هذه القوات مجرد قوة عسكرية في صراع أو حرب مع الدولة، كما يروّج البعض. لكن أن تطور قوات الدعم السريع رؤية سياسية تجاه مستقبل السودان، فهذا ما يزعج الكثيرين. الانزعاج الحقيقي يكمن في أن الدعم السريع لم يبقَ مجرد أداة عسكرية، بل بات يملك رؤية سياسية تتعلق بمستقبل وحكم السودان، وكأن هذا الحق محصور فقط في نخب واندية سياسية بعينها عليها هي ان تقرر في الشأن الوطني.

هناك اتهامات لتحالف تأسيس بأنه مولود من رحم الدعم السريع والذي تمثل احد مستشاريه؟

– حديثك مهم جدًا ويطرح أسئلة جوهرية عن دور القوى المسلحة، وبشكل خاص “الدعم السريع”، في التكوينات السياسية والاجتماعية في السودان، ما المشكلة في أن يكون تحالف “تأسيس” قد خرج من رحم الدعم السريع؟ ما المانع في ذلك؟ هل الدعم السريع ليس جزءًا من السودان؟ أليس جزءًا من الأزمة الحالية؟ أليس طرفًا أصيلًا في هذه الحرب؟ أنا أرى أن الحديث المتكرر عن أن “تأسيس” خرج من رحم الدعم السريع، هو في حقيقته حديث غير دقيق، بل يحمل قدرًا من التعالي والتكبر. هذا النوع من الخطاب يعكس النظرة النمطية المتجذرة في أذهان بعض “الأفندية” السودانيين والنخب السياسية الرسمية، الذين ينظرون إلى الدعم السريع باعتباره مجرد قوة عسكرية “صُنعت” في سياق معين، ويفترض ألا يكون لها أي رؤية أو دور سياسي.

“يجب الاعتراف بالدعم السريع كجزء من الحل لا فقط كمصدر للمشكلة.”

 

لكن الواقع أكثر تعقيدًا. الدعم السريع – سواء اتفقنا معه أو اختلفنا – ليس شركة حراسة مثل “الهدف” أو غيرها. هو مكون عسكري واجتماعي وواقعي، نشأ في سياق سوداني محدد، وتحوّل لاحقًا إلى فاعل رئيسي في الحياة السياسية، وله امتدادات داخل المجتمع ومناطق واسعة من السودان.

المطلوب اليوم ليس تجاهل هذه الحقيقة، أو اختزال الدعم السريع في كونه مجرد أداة عنف. المطلوب هو الاعتراف بوجوده كجزء من المعادلة، والنقاش حول رؤيته وأدواره، سواء اتفقت مع هذه الرؤية أو عارضتها. فالسياسة ليست حكرًا على نخبة معينة، ولا تُمنح شرعيتها من “النقاء التاريخي”، وإنما من علاقتها بالواقع وبمقدار ما تعبر عن الناس وعن مصالحهم.

هل تعتقد أن تحالف تأسيس سيحدث تحولاً كاملاً في شكل الدولة ويعمل على بناء سودان حر ديمقراطي؟

– تحالف “تأسيس” يمثل مرحلة محورية في مسار الانتقال السوداني، وهو بمثابة حجر الزاوية في الخروج من دوامة الأزمات التاريخية والمتلاحقة التي بدأت منذ استقلال السودان في عام 1956. لقد عانى السودان من حالة شبه دائمة من الحروب، فما إن تخمد حرب حتى تندلع أخرى، ما جعل السلام والاستقرار حلمًا بعيد المنال. وفي هذا السياق، يبرز تحالف “تأسيس” كرؤية جديدة تسعى لقطع الطريق أمام إعادة إنتاج المشاريع السياسية التقليدية التي فشلت في بناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة. التحالف يطرح بجرأة حلولاً جوهرية للأزمة السودانية، ويعيد صياغة السؤال الجوهري: كيف يُحكم السودان؟ وليس فقط من يحكمه؟. والأهم من ذلك، أنه يقرّ بشكل صريح بعلمانية الدولة السودانية، وهي خطوة حاسمة لوقف توظيف الدين في السياسة، وهو التوظيف الذي لطالما استُخدم كأداة للهيمنة لا لبناء الوطن.

“تأسيس هو أول تحالف سياسي يضع العلمانية وفصل الدين عن الدولة في قلب خطابه السياسي.”

إن علمانية الدولة، وفقًا لهذا الطرح، لا تُقصي الدين من المجتمع، بل تضمن أن لا يُستغل الدين لتحقيق مكاسب سياسية. كما أنها تُعتبر شرطًا ضروريًا للانتقال نحو حركة تنويرية وحداثية تُعيد الاعتبار للعقل، وتُمهّد لتطور سياسي حقيقي يعبر عن تطلعات السودانيين في العدالة والحرية والسلام.

ناشطون يشككون في موقف المحامي إلياس الداعم لفكرة تفكيك دولة 56 وهو ينتمي لأسرة من طائفة الختمية؟ 

– في الواقع، فإن التشكيك في انتماءات “حاتم إلياس” للتأسيس، والحملة الضارية التي تعرض لها — والتي تجاوزت كل الحدود الأخلاقية في الخصومة السياسية — لم تكن مرتبطة حقًا بمواقفه من “التأسيس” بقدر ما كانت مرتبطة بنظرته كمثقف مستقل. المؤسف أن هذه الحملة جاءت من بعض الأشخاص داخل دائرته الاجتماعية نفسها. الانتماء الجغرافي لحاتم إلياس إلى مناطق وسط وشمال السودان، وهي مناطق توصف عادة بأنها تقع عند تقاطعات مناطقية وعرقية وثقافية، جعلت البعض يتعامل معه كامتداد لحليف استراتيجي “طبيعي وبديهي” لمجموعة بورتسودان. لكن في رأيي، ما أزعج خصومه هو قدرته على كسر قيود الابتزاز السياسي المفروضة على المثقفين من قبل بعض السياسيين الشعبويين وأصحاب “الهرج” في وسائل الإعلام المتعددة. لقد أصبح من يغرد خارج السرب يُغضب أولئك الذين يعتبرون أن الموقف “الطبيعي” و”البديهي” هو أن تدعم الجيش، أو على الأقل أن تصمت.

هناك من يتهم الحزب الشيوعي السوداني بالوقوف مع الحرب ودعم الإسلاميين في تقويض التحول الديمقراطي.؟

– نعم، هنا هنالك بعض الاتهامات للحزب الشيوعي بأنه متماهٍ مع خط بورتسودان السياسي ومتوَاطئ معه. لكن أعتقد أن هذه الاتهامات خلطت بين موقف الحزب كمؤسسة وبين بعض عضويته في فضاء العمل العام، وخصوصاً الملتيميديا، التي تبنَّت آراءً منحازة لجانبٍ في هذه الحرب. الحزب نفسه، في تصريحات بعض قادته، أكد أن هذه الآراء تُمثل أصحابها ولا تُعبِّر عن الرأي الرسمي للحزب. ولن ننسى الحادثة الشهيرة حين قام بعض أفراد من مجموعة طلابية تنتمي للجبهة الديمقراطية في جامعة الخرطوم بإصدار بيان باسم الجبهة الديمقراطية لطلاب جامعة الخرطوم، قالوا فيه صراحة بدعمهم لجماعة بورتسودان وميليشياتها التي ترتدي بزّة الجيش. لكن، وبما أن الجبهة الديمقراطية هي مجموعة متحالفة مع الحزب، وتأثير وجود الشيوعيين داخلها مؤثر، فقد تم نقد هذا البيان من قِبل مركزية الجبهة الديمقراطية للطلاب، واعتبرته بياناً صادراً من مجموعة خارج الأطر التنظيمية للجبهة الديمقراطية، وتم “قتله الكمده بالرمده”. كما يقول المثل.

عموماً، ورطة بعض عضوية الحزب مفهومة في سياق التحليل المادي التاريخي نفسه، فالحزب قبل أن يكون مؤسسة سياسية تتبنى الفكر الماركسي ومنهج التحليل الطبقي، هو نفسه يُعبّر عن محتوى طبقي واجتماعي لجماعات من الطبقة الوسطى المدينية، المنحدرة من طبقة الأفندية، التي كشفت هذه الحرب عن خط المصالح الشفاف الذي كان يختفي خلف الشعارات. ويتجلّى ذلك في مصلحتها في أن يبقى جهاز الدولة بكيزانه وجيشه وطابعه القديم، الذي يرعى مصالح هذه الطبقات، حتى ولو من جهة معارضته، إذ إن المعارضة نفسها محكومة بنسق سياسي لا يمس المصالح الاقتصادية والاجتماعية، والتي تلتف كلها حول جهاز الدولة.

هذه الجماعات، رغم ادّعائها الجذرية والراديكالية عبر هتاف “العسكر للثكنات، الجنجويد ينحلّ”، هي في الواقع، عكس خطابها الراديكالي، مجموعات محافظة جداً على الوضع القائم. إنها تريد أن تحتكر عملية التغيير والثورة، لكي تصبح، كالعادة، حالة مساومة سياسية بين العسكر والمدنيين، تُنجز تحولات في الشكل السياسي للسلطة، ولكن لا تمس الهيكل التاريخي والاجتماعي لها.

بمعنى آخر، هي تريد أن تستمر المقايضة التاريخية، التي سمّيناها ثورات، بين الشكل العسكري والمدني. وقمّة طموحها الثوري أن يذهب العسكر إلى ثكناتهم، ويرتاحوا من انقلاباتهم، وأن يتبخّر الجنجويد في الهواء، وكأنهم حالة عارضة في التاريخ، يجب أن تلزم واديها وقراها، وألا تكون لها مطالب تُعبّر عن مجتمعاتها، أو حتى عن رؤيتها للسودان.

لكن، أعتقد أن الحزب نفسه واقع في مأزق نظري وفكري من جهة إنتاج الأفكار، التي تفصل بين الخطاب السياسي التكتيكي وبين إطلاق القدرة المنهجية والنظرية للإحاطة بالمشهد، وتقديم أسئلة قادرة على اختراق وتحليل البنية الاجتماعية والطبقية التي قادت للحرب نفسها. ومن بين المظالم التاريخية، حالة الإقلاع الشرس لهذه الجماعات، التي يُسمّونها “جنجويد”، من أنماطها الاقتصادية لصالح شراهة الاستهلاك واكتساحها بأنماط التسليع. وحينما يتحرك هؤلاء المنتجون في مناطق الصمغ العربي والمواشي والبترول مطالبين بحقهم في السلطة، يُقال لهم: “انحلّوا”.

هنالك ماركسيات عديدة، وتنظير وافٍ ومبدع في تحليل مآزق دولة ما بعد الاستعمار، أو كما سماها سمير أمين: “الدولة الطرفية”. لكن العمل الفكري للحزب يتعاطى مع ماركسية كلاسيكية تقوم بدور “الترزي” للمشهد السياسي، دون قدح أكبر في الإمكانات النظرية المتاحة، أو حتى استخدام ما تركه عبد الخالق ونقد. سألت صديقاً شيوعياً في موقع قيادي: ماذا كان سيفعل نقد لو كان حيّاً وشهد هذه الحرب؟ ضحك وقال لي: “حيَلبِس جلابيتو وعِمتو ويمشِي للبرهان وحميدتي، ويقول ليهم: وقفوا الحرب واتفاهموا”. أي إنه كان سيُبادر لإنقاذ شعبه من ويلات الحرب، بدلاً من أن يكون متفرجاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!