رأي

ثمن الخيانة!

منعم سليمان

ما يحدث الآن في بورتسودان من تصدع في بنية تحالف الانقلاب، ليس ارتباكًا عابرًا في مشهد سياسي مأزوم، بل نتيجة حتمية لتحالفٍ قام على الخيانة لا على الوطنية، وعلى المآرب الذاتية لا على المبادئ العليا. إنه تحالف جيشٍ مختطَف، مع قوى مسلّحة جُبلت على الارتزاق، اتّحدوا على غدر ثورة شعبٍ وإجهاضِ حلم أمة، فكان لا بد لهذا الاتحاد المشوّه أن ينقلب على نفسه.

الأزمة التي تفجّرت بين قائد حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، وقائد حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، من جهة، وبين قادة الجيش من الجهة الأخرى، بسبب تشكيل السلطة، لا تُقرأ إلا كعرضٍ جانبي لانهيار التقديرات الخاطئة التي بُني عليها تحالف الخيانة منذ البداية. فقد ظنّ قادة الانقلاب أن بإمكانهم توظيف المرتزقة كأدواتٍ مؤقتة للانقلاب على الشعب، ثم تصفية قوات الدعم السريع، والتخلّص منهم لاحقًا. لكن الحرب التي قُدِّرت بأيام، ها هي تدخل عامها الثالث، وقد تحوّل المرتزقة إلى شركاء في تقاسم النفوذ و(الغنيمة)، لا أدوات طيّعة لتنفيذ الخطة.

على الجانب الآخر، فإن من يظن أن جبريل ومناوي يقاتلان من أجل الوطن واهمٌ. لقد جاء كلاهما إلى هذه الحرب بخبرة مدفوعة الثمن من الميادين الليبية؛ أحدهما قاتل لصالح طرابلس، والآخر لبنغازي. لم تحركهم مبادئ هناك، ولن تحركهم هنا. وما يجمعهم اليوم مع قادة الجيش ليس سوى وحدة الهدف الآني: اقتسام سلطة مغتصبة. وكم هو مدهش أن يتفق من تقاتلوا في ليبيا، في حين يواصل حلفاؤهم هناك قتالهم!

إنها عقلية المرتزقة، لا عقيدة الثوار!

أما البرهان، فيقف الآن في قلب العاصفة وحده، منهكًا من حربٍ ظنّ أنه سيديرها مثل مسرحية قصيرة. ومع كل إخفاق، ينحني أكثر فأكثر، يُؤجّل الحسم، ويهرب إلى الأمام، كما اعتاد. لكنه، في هذا الهروب، لا يُؤجل سقوطه وحده، بل يهدّ أركان الوطن، ويمزق نسيجه، ويفرّط في موارده وسيادته وإنسانه.

تحالف الخيانة هذا يحمل في داخله بذرة فنائه: كيزان متعطشون للعودة، ومرتزقة بلا ولاء، وسماسرة بلا انتماء، وحلفاء خارجيون يتساقطون تباعًا. أما الشعب السوداني، فإنه وإن خذلته اللحظة، فلن تخذله السنن، فالنصر، في نهاية المطاف، لا يكون إلا للحق، ولا يصمد إلا ما تأسس على القيم، لا الغدر.

وكما لا يثمر الزرع في أرضٍ مسمومة، لا يُبنى وطنٌ على تربة الخيانة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!