
ما نواجهه اليوم ليس مجرد حرب على الارض، بل معركة على وعي هذا الشعب
حرب لا تهدف فقط الى حسم عسكري، بل الى اعادة تشكيل عقولنا، وفرض سردية وحيدة تقول _(لا خلاص الا عبر السلاح، ولا امان الا في كنف الانظمة الشمولية)_
لكن هذه السردية بدأت تتصدع
~المحور الاول:~ الخوف من الثورة عدوى تقلق الجيران وترعب المدافعين عن الشمولية في الداخل.
الثورة السودانية، في جوهرها، لم تكن مجرد احتجاج ضد البشير او العسكر، بل كانت زلزالا ضرب عمق الفكرة الشمولية نفسها، وايقظ وعيا جماعيا لم يعد يقبل الوصاية، لا من الخارج ولا من الداخل
هذا الوعي الثوري اقلق انظمة الجوار السلطوية، التي رات فيه تهديدا قد (يعدي) شعوبها، وينسف سردية الاستقرار المزيف التي تبني عليها شرعيتها
لكن المفارقة الاكبر كانت في الداخل، في النخب، والكتاب، وبعض الشخصيات التي ما زالت ترى في النظام الشمولي حلا معقولا، وضمانة للاستقرار، وتخاف من الثورة لانها تهدد هذا النظام القديم الذي طالما وفر لهم موقعا مريحا وسط الخراب
لقد صار واضحا ان دفاع البعض عن النظام الشمولي لا ينطلق من حرص على الوطن، بل من حرص على بقاء امتيازاتهم ومواقعهم الموروثة
لكن ما لم يدركوه بعد، ان الوعي الشعبي تمدد بما يكفي ليخترق هذه الاقنعة جميعها
لم تعد تخيف الناس تهم (الخيانة)، ولا تربكهم لافتات (الارتزاق)، ولا تسكتهم ترهات (دعم التمرد)
الشعب بات يعرف ان من يطالب بدولة دستور توافقي ليس خائنا، وان من يرفض قانونا مسيسا ليس متمردا، وان من يقول لا لحكم العسكر، لا ينتمي لمؤامرة، بل لتاريخ طويل من الرفض والكرامة
وهذا هو الخوف الحقيقي الذي يجمع خصوم الثورة داخل السودان وخارجه ان وعي هذا الشعب لم يعد قابلا للقمع، ولا للتزييف، ولا للوصاية
~المحور الثاني:~ مواقف ظاهرها الحياد، وباطنها حسابات باردة.
مواقف بعض دول الجوار تبدو في ظاهرها حيادا، لكنها في حقيقتها ليست سوى حسابات مصلحية باردة
مصر دعمت العسكر منذ البداية، اثيوبيا اكتفت بالحذر، دول مثل تشاد وليبيا غضت الطرف عن تهريب السلاح، بينما مارست الامارات والسعودية دعما انتقائيا وفقا لمصالحها
لكن العقوبات الامريكية الاخيرة على البرهان وكيانات من الجيش، وان تاخرت، ارسلت اشارة بان العالم بدأ يتعامل مع الواقع بمنطق مختلف
هذا التحول اربك دول الجوار التي ظنت ان الجيش سيحسم المعركة وسيبقى في السلطة
وهكذا، سقط قناع الحياد، وتكشفت طبيعة المواقف ،لا حياد في صراع على وطن، بل رهانات على استمرار الفوضى
~المحور الثالث:~ الخوف من الدولة المدنية عندما يصبح النجاح تهديدًا.
ان تقوم في السودان دولة مدنية ناجحة، هو الكابوس الاكبر لانظمة الجوار
دولة تدار بالقانون لا بالعسكر، ويشارك شعبها في حكم نفسه، هو المثال الذي لا يريدونه ان يكتب،
نجاح السودان يفضح فشلهم، ووعيه يوقظ شعوبهم
لذلك يراد له ان يبقى مريضا، تابعا، بلا سيادة، بلا مشروع
ولو قامت دولة قوية في الخرطوم، ستتغير قواعد اللعبة، وتنكمش مصالح كثيرة بنيت على فوضى السودان
ولهذا يدعم الخراب، ويخشى الاصلاح
~نقد الجيش ليس خيانة – بل امانة وطنية~
من اكثر ما يروج اليوم لتكميم الافواه مقولة (لسنا في وقت النقد، الحرب دائرة، والجيش هو صمام الامان)
لكن الجيش، حين قرر خوض هذه الحرب، لم يحسن تقدير الموقف السياسي ولا الانساني
كان يمكنه ان يختار السلام بشروط تحفظ للدولة تماسكها، لكنه اختار معركة اهلكت الشعب ودمرت بناه، واهانت ادميته، وتتمدد بدل ان تنحسر
ومع ذلك، يطلب منا ان نصمت؟
ان نمنح الحصانة لمن جرنا الى هذا الجحيم؟
لا….. . الجيش ليس فوق النقد، ولا تبنى الدولة الحقيقية بالخوف من المحاسبة
صمام الامان الحقيقي هو وعي الشعب، لا سلاح الجنرال
~الخاتمة~
ما نواجهه اليوم ليس مجرد حرب، بل محاولة منظمة لاعادة السودان الى القفص، بعد ان كسر ابوابه ذات ديسمبر
لكن القافزين فوق الدم، والداعمين للحرب من فوق الطاولات وتحتها، لا يدركون ان هذا الشعب تغير
لم يعد يقبل بالاكاذيب القديمة، ولا ترعبه الشعارات المكررة، ولا تقنعه الاصوات التي تقدم الشمولية كحل، والذل كأمان
لقد تفتح وعيه، وصار يعرف من عدوه الحقيقي، ومن يحاول تمثيله ليجهضه
ولذلك، لن يهزم،
وعي الشعوب لا يهزم، ولا يفلح من يظن انه قادر على اعادة عقارب الثورة الى الوراء
هذا الجيل يعرف تماما ما يريد
دولة مدنية لا عسكرية، قانون عادل لا مسيس، وطن يتسع للجميع لا مزرعة للجنرالات
وهو ماض نحوها باصرار لا تهزه العواصف، ولا تخدعه الوعود، ولا تروضه الهزائم الصغيرة
النصر ليس احتمالا. انه الخيار الوحيد.