بماذا يحاصر المجتمع خطاب الكراهية؟

ابراهيم الشيخ بشارة
كيف للمجتمع أن يتفادى هذه التعقيدات المنضوية في خطاب الكراهية ويغض الطرف عن هذه التشوهات التي تحاصره؟
كأداة خطيرة عملت ولا زالت تعمل على تكثيف الانقسامات العرقية والمناطقية وتعقيد جهود السلام ، برزت وتعالت مؤخراً خطابات الكراهية ، وأظنها سبباً رئيساً في تفاقم الأزمة وتصعيد العنف وتعميق الجروح المجتمعية على الصعيد السوداني
وفي ذلك بذلت جهود للحد من ايقاف هذا الخطاب حتى تتنامى اصوات السلام وقبول الاخر
وامتثالاً لقوله تعالى : “ادْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” النحل (125)
وحديث قائدنا ونبينا محمد صلى عليه وسلم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”
فهذا يقودنا للإيمان القاطع بحتمية قبول الاخر والكف عن الابتزاز العنصري الضيق والموجه والجدل المناطقي والقبلي لتبرير تمزيق النسيج الاجتماعي وتعاضد المجتمعات على أثره
وهو الذي يُعرف قانونياً بأنه خطاب يحرض على العنف و التمييز ضد الاخر
نظراً للحالة التي تعيشها الشعوب السودانية فإن الصراعات العرقية والسياسية التاريخية، والسيطرة على الموارد، والتفاوت الاقتصادي هي المحركات الرئيسية لخطاب الكراهية. وقد أدت هذه العوامل لفترة طويلة إلى تغذية العداء بين الجماعات. كما تؤدي الاختلافات الثقافية، وخاصة حول اللغة والدين، إلى تفاقم التوترات عندما تشعر الجماعات بأن كرامتها أو مصالحها مهددة.
وفي حين أطلقت المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية مبادرات لتعزيز التسامح، فإن جهودها تقوضها ضعف إنفاذ القانون، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تستخدم الجماعات ذات الانتماءات السياسية والعرقية هذه المنصات لتعميق الانقسامات، في وقت يسعى فيه آخرون إلى العدالة والسلام.
لكن كيف للمجتمع أن يتفادى ذلك ويعيد صياغة السياسة العامة التي تنظم حياته العملية والسياسية والاجتماعية والثقافية بعد كل هذا الزخم والتنافس في إفساده وتشويشه
وللجوء الى حل نافذ لابد من وضع خارطة جديدة لتوجيه العوامل المؤثرة فيه من ضمنها وسائل الإعلام التي تتحكم في صناعة الرأي العام عبر المؤثرين في المنصات المختلفة الذين من المؤكد أنهم يحملون أجنداتهم الشخصية ويعبرون عن مواقف ووجهات نظر لجهات أو مؤسسات أو أطراف محددة توظف قدراتهم في خدمتها
وخلال السنوات الفائتة لم تقوم المؤسسات الإعلامية بدورها المنوط به في معالجة الشرخ المجتمعي وانحصرت فقط في التغطيات الصحفية للأحداث سواء كانت معوجة او معتدلة بل ولعبت دوراً في مساعدة الخطوط الموجهة لخطاب الكراهية ونمى على يد تلك المؤسسات بجهد مهني
ولم نشهد لأي جهة من الأحزاب السياسية والنقابات وجماعات الضغط بتوفير مساحة في مؤسساتها الاعلامية لمنع انتشار هذا الخطاب بشكل واضح خارج اجندتها السياسية وحفظ المصلحة العامة للدولة والكيان المجتمعي بطيفه الواسع ويرسخ لفهم الانتقال الديمغرافي وتجاذبات المصالح الإقليمية والاجتماعية
هذه المعطيات سهلت طريقاً معبداً لتنامي هذا الخطاب لكن الحلول التي يجب أن تطرح لإيقافه لابد ان تخرج من حيز المصالح المحدودة والضيقة وتدخل في إطار المصلحة الوطنية بشكل كامل
وأن تدمج فيها كل الأطراف التي تسعى لتحقيق مكاسب شخصية بهذه الأزمة وتتعهد بضمانة الحد منه وإنزال السلام المطلبي والسلمي مكانه.