الحق المؤجل امتحانات الشهادة لأبناء دارفور وكردفان بين الإقصاء المركزي وأمل الإدارات المدنية
محمود كاربينو

في عمق المأساة السودانية، تختبئ تفاصيل موجعة تتجاوز أصوات المدافع وحرائق المدن، لتصيب أعز ما تملكه الأمم مستقبل أبنائها ، فبينما جرت امتحانات الشهادة الثانوية في بعض ولايات السودان وكأن شيئاً لم يكن، ظل آلاف الطلاب والطالبات في دارفور وكردفان محرومين من هذا الحق الأساسي، يحدقون في إقصاء الدولة المركزية لهم التي اختارت أن تمارس تهميشاً انتقائياً و عقابياً بلا أي مبرر تربوي أو أخلاقي.*
*ليست هذه الأزمة عابرة أو محصورة في أرقام وإحصاءات التعليم، بل هي جريمة صامتة تُرتكب بحق جيل كامل ، ففي الوقت الذي توفرت فيه الحماية واللوجستيات لإقامة الامتحانات في بعض الولايات، لم يُبذل أي جهد حقيقي لضمان حقوق الطلاب والطالبات في مناطق النزاع، رغم أن بعض هذه المناطق تنعم باستقرار نسبي يفوق بعض المناطق التي أُجريت فيها الامتحانات بالفعل ، هذا التفاوت الصارخ يكشف عن خلل في البوصلة السياسية لا في البنية الأمنية فحسب.*
*غير أن الفراغ الناتج عن انسحاب الدولة يمكن أن يتحول إلى فرصة لتشكيل بديل مسؤول هنا، يبرز الدور المحوري المنتظر من الإدارات المدنية في دارفور وكردفان، تلك التي بدأت تتشكل في ظل الفراغ المؤسسي، لتأخذ على عاتقها بناء نموذج جديد من العدالة التعليمية ، قرار شجاع بتنظيم امتحانات مستقلة تحت إشراف تربوي ومهني، وبشراكة مع جامعات دول الجوار (مثل تشاد، جنوب السودان، إثيوبيا، يوغندا، ليبيا، كينيا) يمكن أن يخلق سابقة تاريخية في مناطق تُعيد بناء مؤسساتها من القاعدة، وتمنح أبناءها فرصة حقيقية للاستمرار في الحياة.*
*لا يكفي أن نكتفي بالاستنكار أو التوثيق، بل يجب أن ننتقل من موقع الاحتجاج إلى موقع الفعل ، فتح الجامعات في مناطق سيطرة الإدارات المدنية، والتعاقد مع مؤسسات أكاديمية معترف بها إقليمياً هو مسار ممكن وضروري ، كما أن تحويل معاناة الطلاب إلى قضية رأي عام ومشروع وطني، يمكن أن يفرض حضورهم في الساحة السياسية التي طالما تجاهلتهم.*
*إن امتحان الشهادة ليس مجرد ورقة، بل هو رمز للحق في الحلم، في الأمل، في الهروب من قسوة الجغرافيا نحو أفق المعرفة ، وأي دولة لا تضمن هذا الحق لأبنائها تفقد شرعيتها الأخلاقية أمام التاريخ ، ولكن حين تتقدم المجتمعات المحلية لملء هذا الفراغ، فإنها لا ترد على غياب الدولة فحسب بل تُعيد تعريفها.
فلنحول هذا الألم إلى فعل ، ولنطالب إداراتنا المدنية بخطوة جريئة، تُنقذ هذا الجيل من التهميش، وتفتح أمامه طريقاً نحو الجامعات والحياة ، فالمعرفة كما الحرية، لا تنتظر إذناً من أحد.