رأي

مراحل تكوين دولة 56

مليح يعقوب حماد

مليح يعقوب حماد
خبير في إدارة التنوع بالمركز الإفريقي للديمقراطية والتنمية

لقد دخلت قوات الدعم السريع في الصراع السودانى من بوّاباته العريضة وحقّقت إنتصارات باهرة على الجيش الكيزانى وإرتفعت سقوف مطالبها وازدادت طموحاتها إلى الحد الأعلى و الذي يلبّي مطالب الشارع السودانى ، حيث دعت إلى إبعاد الفلول و الكيزان من المسرح السياسى مع تغيير دولة 56 بالكامل و إستبدالها بدولة وطنية جديدة يتساوى فيها الناس في الحقوق والواجبات و إعتبرت قوات حميدتى ان الفيدرالية والديمقراطية والعلمانية والتنمية المتوازنة هي الضامن الوحيد لإستدامة السلام فى السودان. وقد أثبت الكتّاب والمفكّرين المختصين بالشأن السودانى ان دولة 56 مسئولة من تدوّير الصراعات و صناعة الأزمات وكما قالها حميدتى بالفم المليان: (دولة 56 تانى مافى) وهذا ان دلّ إنما يدل على ان زمن( الغطغطة والدسديس) قد ولّى و ان الكلام عن المسكوت عنه بات من الاولويات. وتعتبر دولة 56 جزء من دولة المركز و نسخة اخيرة منها ، وقد تأثّرت بجميع المراكز السياسية السابقة لها كدولة المقرّة والعهد الثنائى التركي المصرى والدولة المهدية والإستعمار الثنائى البريطانى المصرى. و تتكوّن دولة 56 من مؤسسات واحزاب وشركات و جيش وشرطة وامن وقضاء واعلام ونخب مركزية حاكمة ومعارضة اختزلت الدولة فى داخلها، و دخلت 56 في مواجهات دامية مع الثورات الوطنية المناهضة لها ومن ضمنها ثورة الأنانيا وثورة يوسف كوّة وعبد العزيز الحلو وثورة عبد الواحد محمد نور وقوات الدعم السريع . ويتم تعريف دولة 56 على اساس انها عبارة عن مجموعة الحكومات العسكرية والمدنية المتعاقبة علي حكم السودان منذ فجر الإستقلال ومن ضمنها حكومة الازهري وحكومة عبد الله خليل وحكومة عبود وحكومة النميرى وحكومة سوار الدهب وحكومة الصادق المهدي وحكومة عمر البشير وحكومة حمدوك وحكومة البرهان والتى هربت الى شرق السودان واتخذت من مدينة بورتسودان عاصمة لها . ومن أبرز عيوب دولة 56 فشلها فى إدارة التنوع وإستخدامها سياسات فرّق تسد وتغييبها لوعى الناس واعادة انتاجهم فى داخلها واستخدامهم كدروع بشرية مع إنحيازها الكامل لمجتماتها المحلية وتهميشها للكيانات الأخرى.اضافة الى تحكّّمها في السلطة والثروة والوظائف وإهدارها لموارد البلاد فى الحروب والنزاعات مع تكريّسها المستمر لحكم الاقليّات وإنتهاجها لسياسة الترميز التضليلى كوسيلة لخم الناس .وقد كسرت دولة 56 الرقم القياسى فى الإنقلابات العسكرية التى أعاقت مسيرة التنمية و الديمقراطية.وحكمت السودان بعقلية الإستعمار و فرّطت فى وحدته وامنه وترابه وصنعت منه حظيرة خلفية لمصر وغيرها من البلدان التى تستورد موارده فى شكل مواد خام وتقوم بتسوّيقها للعالم على اساس انها منتجاتها الخاصة .لقد تسبب حكام دولة 56 في ضياع الفشقة و حلايب وشلاتين وأسوان واهملت حدود السودان وشغلت نفسها بالحروب الداخلية، فقتلت الشعب واجهضت ثوارته الوطنية السلميّة والمسلّحة. ويعتبر الزعيم اسماعيل الأزهري من أوّل الصانعين لأزمة الهويّة ،وهو من رفع علم الاستقلال و أعلن ان السودان دولة عربية وضرب عرض الحائط بهويّته الافريقية ، و تمرّد عليه الجنوبيين في العام 1954م رافضين التوجّه العروبى للدولة و مطالبين بالفيدرالية كوسيلة لإدارة التنوع ، و قد إستغل الفريق عبود خلافات الاحزاب وانقلب فى 17 نوفبر 1958 على الحكومة المنتخبة برئاسة عبد الله خليل ومن الاخطاء الفادحة التى ارتكبها الفريق ابراهيم عبود تنازله الكامل عن جزء عزيز من تراب السودان لصالح المصريين بذريعة حوجتهم الماسة لبناء السد العالى مما ادّى تشريد الحلفاويين و محو مزارعهم و آثارهم وطمس هوياتهم التاريخية القديمة مع تهجير اعداد غفيرة منهم لشرق السودان. وعندما استولى جعفر النميرى على السلطة فى العام 1969م حلّ الادارات الاهلية وصادر صلاحياتها فتآكل النظام الأهلى الذي كان ينظّم العلاقات بين القبائل فى مختلف ولايات السودان و قام النميرى بترحيل اليهود الفلاشا إلى دولة إسرائيل و تعامل مع السودان كحقل خاص لتجاربه السياسيّة فاستبّدل الإشتراكية بالشريعة الإسلامية وأرهق البلاد والعباد بقوانين سبتمبر والتى قد عجّلت بسقوطه فى العام 1984م عبر إنتفاضة ابريل المشهورة والتى بموجبها تم تتويج المشير سوار الدهب رئيسًا للحكومة الانتقالية وهو من سمح للحركة الاسلامية بالتوغل فى مفاصل الدولة و ساهم فى تهيأة الأجواء لجماعة الترابي وعمر البشير في ان ينقلبوا على الديمقراطية ويستوّلوا على السلطة فى العام 1989م حيث اقحموا الجهاد فى الصراع و استخدموه كوسيلة لمحاربة معارضيهم ونعتوهم بالمشركين والملحدين والكفار والحشرات ،ثم فصل البشير الجنوب ونشر الحروب فيما تبقى من السودان.وامّا البرهان فقد خان ثورة ديسمبر واشعل الحرب بين الجيش و الدعم السريع فى صبيحة يوم 15 ابريل 2023 ،وقد تحولت الحرب الى ثورة شعبية ، معارضة لسياسات المركز وقد وصفها الناس بانها ستكون آخر حرب فى السودان وسوف يتشكل عليها مستقبل السودان الجديد. ان خلافنا مع دولة 56 لا يعنى بالضرورة اننا قد إختزلنا الأزمة فى داخلها فهنالك مراحل تاريخية سابقة لتكوينها وقد ألقت بظلالها على المشهد الحالى وان هزيمة دولة 56 تتوقف على دراسة وتحليل : 1/المراحل التاريخية السابقة لها 2/المؤسسات المدنية والعسكرية الداعمة لها 3/المحاور الدولية الراعية لها 3/النخب المركزية الحاكمة والمعارضة المتواطئة معها 5/ الخصائص السالبة والموجبة لابناء الهامش السوداني العريض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!