تقارير وتحقيقات

تحقيق: حرب (15) أبِريل ..

حرب الاستنزاف الاقتصادي .. كم خسرنا!!

 

  • دراسات: عدد القتلى تجاوز 150 ألفاً، منهم من قُتل نتيجة للعنف ومنهم من مات من الجوع والأوبئة التي سببتها الحرب.
  • العفو الدولية: أكثر من 25 مليون شخص في السودان عالقون في دوامة تدهور الأمن الغذائي..
  • أكثر من 7,623 حادثة عنف مرتبطة بالأوضاع السياسية وأكثر من 23,015 حالة وفاة أبلغ عنها في السودان في الفترة بين أغسطس و سبتمبر 2024.

التنوير: محمد آدم 

والحربُ تدخل عامها الثالث، اقتصاد ينهار وشبح مجاعة يهدد السودانيين في مناطق النزوح، أمراض تحاصرهم من كل الجهات، وانعدام الأدوية ومعينات الحياة، مشاريع توقفت عن الأنتاج، مصانع هُدمت بضرابات الطيران ومدافع الهاون، أسواق نُهبت بالكامل، ومشاريع زراعية ساهم الخوف والفزع في جعلها بوراً لأكثر من عامين. تُرى ما حجم الدمار الذي لحق بالسودان، وما الذي خسرناه في حرب الاستنزاف لمواردنا البشرية والطبيعية..؟

حرب 15 أبريل

يشهد السودان حرباً يرى مراقبون أنها الأقسى في القارة الأفريقية، والتي بدأت منتصف أبريل 2023، ومازالت مستمرة، الخبير الاقتصادي د. عثمان النور يرى أن الحرب بالرغم من أنها بدأت شرارتها في العاصمة الخرطوم، لكن سرعان ما تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية في مناطق متعددة في إقليمي دارفور وكردفان، ثم امتدت لاحقًا إلى بقية الاقاليم. ونتجت عنه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم  ونزوح أكثر من 6.5 مليون شخص داخل السودان، بينما لجأ أكثر من 2.1 مليون شخص إلى دول مجاورة، ومقتل الآلاف من القوى البشرية التي يعتمد عليها التطور والاقتصادي وعملية الأتاج، حالات النزوح والهجرة ساهمت في انهيار الاقتصاد، وتوقف 90% من الأنشطة الاقتصادية بسبب الحرب، وفقد الآلاف من المواطنين رؤوس أموالهم، وممتلكاتهم المادية.

دمار بنيوي وهدر بشري

لا توجد مؤسسة اقتصادية قائمة في 80% من مؤسسات الدولة، حيث خلفت الحرب أضرارا جسيمةً في البنية التحتية والمرافق الحيوية، مما فاقم الاحتياجات الإنسانية بصورة مهولة، إذ تذكر منظمة العفو الدولية أنّ أكثر من 25 مليون شخص في السودان عالقون في دوامة تدهور الأمن الغذائي، ليس ذلك فحسب، بل ذكرت منظمة رعاية الطفولة ، في تقرير لها أنّ قرابة 230 ألف طفل وامرأة حامل وأم جديدة قد يموتون في الأشهر المقبلة بسبب الجوع. ووثّق تقرير لـ ACLED أن أكثر من 7,623 حادثة عنف مرتبطة بالأوضاع السياسية وأكثر من 23,015 حالة وفاة أبلغ عنها في السودان في الفترة بين أغسطس وسبتمبر 2024.

كما وثّق تقرير لـ ACLED أكثر من 7,623 حادثة عنف مرتبطة بالأوضاع السياسية وأكثر من 23,015 حالة وفاة أبلغ عنها في السودان في الفترة بين أغسطس وسبتمبر 2024.

وبالفعل قد تصاعدت وتيرة أعمال العنف الناتجة عن العمليات العسكرية منذ شهر أغسطس2024، إذ أظهرت مؤشرات بيانات ACLED أن الجيش السوداني كثّف استخدامه للطائرات الحربية لشن هجمات على المواقع التي يسيطر عليها الدعم السريع مع استمرار تصعيد المواجهات العسكرية بين الطرفين في عدة أنحاء من البلاد.

اضرار الحرب

تقديرات تضعها المنظمات الدولية لحجم الأضرار الناتجة عن الحرب، ولصعوبة وجود احصاءات دقيقة، يظل حجم الدمار والموت كبيراً، أعلنت منظمة الصحة العالمية في سبتمبر 2024 أن الحصيلة المؤكدة لضحايا الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل 2023، قد تجاوزت 20 ألف شخص. في حين تقدّر دراسات أخرى أن عدد القتلى تجاوز 150 ألفاً، منهم من قُتل نتيجة للعنف ومنهم من مات من الجوع والأوبئة التي سببتها الحرب.

في الأثناء حذّر خبراء ومسؤولون في منظمات دولية ومحلية من تفاقم التأثيرات الكارثية للدمار الواسع الذي طال البنية التحتية والمنشآت العامة في السودان، خلال عامين من الحرب.

وقد تسببت الحرب في تدمير مرافق حيوية مثل الجسور والسدود، إلى جانب شبكات الكهرباء والمياه والمنشآت الصحية والتعليمية. ووفقاً لتقديرات غير رسمية، تتراوح قيمة الخسائر الناجمة عن تدمير هذه البنى والمنشآت بين 120 و150 مليار دولار.

توقف عجلة الأنتاج

صبيحة 15 أبريل 2023 توقفت عجلة الأنتاج في الآلاف من المؤسسات الاقتصادية السودانية، وتوقف عجلة الإنتاج خاصة عبر مورد الزراعة التي تمثل عصب الاقتصاد والمورد الاقتصادي لـ 70% من غالبية السكان، ومعظم مناطق الإنتاج الزراعي والغابي تقع داخل مناطق عمليات عسكرية، مما يجعل عملية ايصال الوقود، السماد، البذور، والتمويل أمراً مستحيلاً، اضافة لنزوح الآلاف من المزارعون وتوقف مشاريعهم بسبب انعدام الأمن، بالرغم من عدم وجود لا توجد بيانات رسمية أو تقديرات عن حقيقة هذه الفئة المنتجة في ظل أوضاع الحرب.

ويمضي د. عثمان النور إلى أن هنالك مؤشرات تمضي في طريق انفصال غرب السودان، تغيير العملة ساهم في القضاء على الاقتصاد السوداني، واجبار المواطنين على التعامل مع عملتين حسب مناطق السيطرة، وبلغت نسبة الديون المتعثرة في السودان 50%، ويعاني الجهاز المصرفي من ضعف شديد ظل يلازمه وازداد بسبب الحرب وتعاظم دور الاقتصاديّ الموازي حيث مازال حجم الكتلة النقدية خارج المصارف يقدر بنسبة 95 % . لا وتوجد قدرة مصرفية على تمويل الإنتاج الزراعي أو الصناعي، مما ينسف أي ادعاء بنمو اقتصادي.

وما فرضه واقع الحرب أن اقتصاد السودان اليوم تُديره شبكة تحالف بين بقايا نظام المؤتمر الوطني ومليشيات عسكرية. لا موازنة، لا محاسبة، لا شفافية، الذهب يُهرّب عبر مطارات موازية الإيرادات تُصرف خارج إطار الموازنة. الموارد تُوظف لدعم الحرب، لا توجد خدمات مثل الكهرباء والمياه وتكاد تكون معدومة في أجزاء واسعة من البلاد، وهناك أنكماش للناتج المحلي بـ 18% (البنك الدولي 2023م)، توقف 60% من النشاط الصناعي، ونسبة الفقر تجاوز 65% ،في ظل تراجع الصادرات الزراعية بنسبة كبيرة.

تكلفة باهظة وتداعيات

كم هي تكلفة الحرب المادية..؟ تشير التقديرات الأولية إلى أنها تصل لنحو 100 مليار دولار وأكثر، أو ما يُمثل نحو نصف مليار دولار يوميًا، هكذا قدر خبراء ومحللون تكلفة الحرب الأهلية الدائرة في السودان منذ بدايتها بأبريل2023، وبسبب التداعيات الكبيرة الناجمة عن الحرب، التي أوقفت عجلة الإنتاج في غالبية مدن البلاد، توقع البنك الدولي أن ينكمش اقتصاد السودان 12% تواليا مع أعوام الحرب المستمرة، فيما خرجت أكثر من 400 منشأة تعمل في مجال الصناعات الغذائية والدوائية، ومختلف المجالات الأخرى في العاصمة (الخرطوم) عن الخدمة تماما، بعد التخريب الكبير الذي تعرضت له بسبب الفوضى المصاحبة للصراع.

هروب رؤوس الأموال

تحدثت الحرب تدهوراً حاداً في مؤشرات الاقتصاد الكلي، شمل الناتج المحلي الإجمالي (GDP) والتضخم وسعر العملة الوطنية. تأثر الاقتصاد السوداني بشكل كبير نتيجة تعطّل القطاعات الحيوية، خروج الاستثمارات، وتدمير البنية التحتية في المدن الكبرى، خاصة الخرطوم دارفور، وما لم تتوقف الحرب وتوضع سياسات إقتصادية صارمة لن يحدث تعافي للاقتصاد ولا المستوى المعيشي للأفراد، ذلك دونا عن مشكلة هرب رؤوس الأموال والإستثمارات الأجنبية للخارج التي يشترط لتوفرها هامش الأمان المناسب المفقود في ظل تردي الأمن بسبب واقع الحرب، كل ذلك يجعل التحديات كبيرة لعبور أزمة الاقتصاد السوداني.

خروج

محاولات تتم عبر طرفي الحرب لترميم ما خلفته الحرب من الناحية الاقتصادية، لكن تبوء المحاولات بالفشل، لأسباب يرى مراقبون أن أهمها غياب الأمن وحالة اللاسلم التي تعيشها القوى البشرية، أضافة لغياب الخطط الاقتصادية التي من شأنها تطوير البرامج الاقتصادية، وحصر الصرف في تمويل الحرب والآلة العسكرية.. تُرى هل تتوقف الحرب للشروع في بناء مؤسسات اقتصادية جديدة..؟ أم نحن في طريقنا لانهيار أكثر قسوة..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!