تقارير وتحقيقات

مأساة ضاربة العمق .. معاناة ونزوح وموت تحت وطأة الحرب

تقرير: مروة عبود

التنوير: مروة عبود

ماذا فعل العالم لأجل مأساة الشعب السوداني المكتوي بنيران حرب قضت على الأخضر واليابس في بلاده، حرب وويلات وحديث عن المجاعة التي ضربت السودان خلال الحرب قصمت ظهر بنيانه وشردت إنسانه، ولا يرى حتى الآن عونا إنسانيا حقيقيا لكافة المواطنين دون تمييز بين مناطق تواجدهم، فالمواطن هو المواطن، ولنقف عند هذا مليا، وتتعد المسائل ولكن ربما على المجتمع الدولي أن يقوم بنظرة شاملة للكارثة الإنسانية التي حلت بالسودان، لتخفف شدة الكارثة على المواطن السوداني، حتى لا ينتظر التسويات والمباحثات ولكن ليحصل على بعض من أدنى الحقوق الإنسانية بالحياة.

عامان من المعاناة

خلال عامين من الحرب في السودان، واجه الملايين أوضاعًا إنسانية قاسية مع نزوح أكثر من 15 مليون شخص داخل البلاد وخارجها، وسط تراجع حاد في المساعدات الدولية. وبحسب الأمم المتحدة، فقد أضطرّ نحو 15 مليون شخص منذ منتصف أبريل 2023 للنزوح داخليًا أو اللجوء إلى دول الجوار، مما يجعل هذا البلد يعاني أكبر أزمة نزوح في أفريقيا. ويعكس هذا الرقم حجم الكارثة التي يعيشها الشعب السوداني خلال عامان من الحرب الطاحنة، حيث تمزقت الأسر وواجه الملايين شبح الجوع والمرض والعنف.

أزمة غير مسبوقة بشهادة العالم..

يشهد السودان أكبر أزمة نزوح في العالم بحسب تقارير الأمم المتحدة، وقال فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن ثلث سكان السودان نازحون. وامتدت عواقب هذا الصراع المروع والعبثي إلى ما وراء حدود السودان في المجمل، نزح أكثر من 12 مليون شخص داخليا بينما عبر نحو 3.8 مليون لاجئ على الحدود، وتتوقع الأمم المتحدة ارتفاع هذا العدد بنحو مليون شخص بنهاية عام 2025.

شون هيوز، منسق الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي لأزمة السودان وصف الوضع المأساوي في السودان بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم، بكل المقاييس، إذ يواجه نحو 25 مليون شخص – أي نصف السكان – جوعا شديدا، ويعاني ما يقرب من خمسة ملايين طفل وأُم من سوء التغذية الحاد. وحذر هيوز من أن عشرات الآلاف من الأشخاص في السودان سيموتون خلال العام الثالث من الحرب، ما لم يتمكن برنامج الأغذية العالمي وغيره من الوكالات من الوصول إلى المحتاجين والحصول على الموارد اللازمة لهم. وناشد المجتمع الدولي ضمان الوصول الإنساني والتمويل اللازمين لتجنب كارثة إنسانية أكبر.

النساء والأطفال الأكثر تضرراً

المفوض السامي الأممي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، نشر في تدوينة له أن غالبية النازحين هم من النساء والأطفال. وأشار إلى أن تخفيض المساعدات الدولية أجبر الأمم المتحدة على تقديم كميات أقل من الغذاء والمياه والأدوية والمأوى، مما زاد من معاناة الفارين من العنف.

كما أن فئة الأطفال هي الأكثر تضررًا من سوء التغذية إضافة إلى التشرد بفعل فقد الأسر بفعل الغياب القسري أو الموت لأحد أو كلا الوالدين، وبالمثل فئة النساء التي تعاني غياب الخدمات الصحية ووجود الرعاية الطبية كما سوء الأوضاع المعيشية حيث يقع عليها العبء الأكبر حين أوقات الحروب والنزاعات وهي الأكثر عرضة للإضطهاد والإعتداءات على الرغم من بعدها عن الإستهداف المباشر في الحروبات، ولكن تقول إلإحصاءات أن النساء والأطفال الأكثر عدداً وتضررا في مناطق الكوارث.

جهود غير كافية

وبالرغم من اتفاقيات التعاون مع وكالة السودان للإغاثة والعمليات الإنسانية (SARHO) العاملة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، والتي تسلمت عدد من الشحنات للمساعدات الإنسانية لولايات دارفور، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لسد فجوة الغذاء والدواء حيث تضم دارفور أكبر معسكرات للنزوح على مستوى السودان ككل، هذا بالإضافة إلى مأساة الفقر والجوع والأمراض التي هي خليفة حروب دارفور فيما قبل حرب الخامس عشر من أبريل من العام ٢٠٢٣، وانطلاقا من ذلك جاءت دعوات مطالبة المنظمات الدولية بإنشاء عمليات مستقلة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، لضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين، لاسيما أن وصول المساعدات عبر نافذة بورتسودان التي تتلقى الدعم من مختلف الجهات المانحة الإقليمية والدولية، والتي تتهم بالتمييز ضد المواطنين في مناطق سيطرة الدعم السريع، حيث يقول عمال الإغاثة إن الجيش يقوم بمنع أو تعطيل الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها “RSF”.

وقد صرح إداريوا الوكالة السودانية “SARHO” من قبل أن السلطات في الإدارة المدعومة من الجيش في بورتسودان تضغط على المنظمات الدولية لعدم التعامل معها. ويرى محللون أن استغلال الإغاثة لتحقيق المكاسب السياسية ليس فقط جزءًا من استراتيجية حكومة بورتسودان في تضييق الخناق على المواطن بمناطق سيطرة الدعم السريع، بل هو أيضًا وسيلة لجمع الأموال لبعض جنرالات الفساد ومسؤولي حكومة بورتسودان.

نداءات لحلول للأزمة

في ظل القرارات بتجميد تمويل “USAID” وزيادة القيود المفروضة على المنظمات الإنسانية، تواجه وكالات الإغاثة صعوبات متزايدة في تقديم المساعدات الأساسية. وقد حذرت المنظمات غير الحكومية من أن هذه العوائق قد تؤدي إلى كارثة إنسانية أكبر خاصة في المناطق التي تعاني من مجاعة مثل دارفور. مؤكدة أن الوقت ينفد لإنقاذ ملايين السودانيين الذين يواجهون الجوع والمرض.

وقد حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش الأطراف على الوقف الفوري للقتال واتخاذ خطوات نحو عملية سياسية شاملة لوضع السودان على طريق السلام والاستقرار. كما جدد دعوته للمجتمع الدولي إلى توحيد جهوده لإنهاء هذا النزاع المروع.

ويصف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك ما يحدث في السودان بأنه اعتداء شامل على حقوق الإنسان وسط تقاعس عالمي، مما يُخلّف عواقب وخيمة على المدنيين. وأكد أن الصراع يتسم بتجاهل تام لقوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث هاجم الطرفان بانتظام المناطق المأهولة وارتكبا انتهاكات جسيمة.

إن عجز المجتمع الدولي عن وقف إطلاق النار وإحلال السلام في السودان سيزيد من بؤس الأوضاع الإنسانية لا سيما على الأطفال والنساء، لقد شهدنا تجارب من قبل كيف أن المنظمات الإنسانية تعمل على إغاثية الشعب الفلسطيني رغم إستمرار الحرب وغيرها من النماذج ، واليوم حرب السودان اكملت العامان حيث سجلت أكبر نسبة دمار ونزوح ومجاعة وصنفت الأعنف في تاريخ الحروب داخل القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، مما يستوجب وقفة حقيقية على هذا الوضع المأساوي، ويستدعي ذلك مخاطبة الوعي الإنساني لإنقاذ المواطن الذي عانى ويلات النزوح واللجوء والتشرد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!