
كي نخرج من نفق الإستبداد والفساد والظلم الذي أدخلنا فيه إنقلاب الجبهة القومية الإسلامية على النظام الديمقراطي الذي كان قائماً قبل عام 1989م، لا بد من التزود بالوعي السياسي والإجتماعي والثقافي النقدي، القادر على سبر غور الأزمة الوطنية وتوجيه نقد موضوعي لأخطاء الماضي وتقديم رؤية علمية طموحة تستشرف آفاق المستقبل. إن الوعي، من منظور فلسفي، هو القدرة على الإدراك العميق للذات وللواقع، وهو الشرط الأساسي الذي يتيح للفرد والمجتمع تحرير أنفسهم من قيود الجهل والتعصب، ويفتح أمامهم آفاق التغيير الإيجابي المبني على فهم عميق لقوانين الطبيعة والمجتمع. وفي هذا الإطار، نؤمن أن التغيير الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال تطبيق المنهج العلمي الذي يعتمد على التجربة، والملاحظة، والنقد البناء، وليس على الخرافة أو التكرار الأعمى للممارسات القديمة. فالعلم هو الوسيلة التي تمكن الإنسان من فهم طبيعة الظواهر، والتفاعل معها بشكل يضمن إستمرار التطور، بينما يظل الجهل بكافة أشكاله عائقاً أمام التقدم الحضاري.
نقول إن الحرب اللعينة هي استمرار لنهج الخراب والدمار الذي إستشرى في السودان منذ وقوع أول إنقلاب عسكري على إرادة الشعب الحرة والمشرئبة للحرية والعدالة والسلام، منذ إنقلاب إبراهيم عبود وجعفر نميري وعمر البشير والبرهان. كل هؤلاء يمثلون رموزاً للخراب والدمار، كونهم جميعاً مجرد أدوات في يد الأنظمة المصرية المتعاقبة، لإعاقة بناء دولة سودانية مدنية دستورية، تشكل ركيزة لتطور المجتمع وتحقيق تطلعاته في الحرية والعدالة والسلام. إن فلسفة التغيير الحقيقي تتطلب وعياً يربط بين المعرفة الذاتية والمعرفة العلمية، لأن الوعي هو الوسيلة التي تمكن الإنسان من إدراك نقاط ضعفه، ونقاط ضعف مجتمعه، التي تؤدي إلى تكرار الأخطاء التاريخية. فمفهوم التاريخ، من منظور علمي، هو سجل للتجارب الإنسانية، ودرس متكرر لمن لا يتعلم من أخطائه. لذلك، فإن إستشراف المستقبل يستدعي أن نستفيد من دروس الماضي، والعمل على بناء منظومة فكرية واضحة تعتمد على المبادئي العلمية والأخلاقية، لنُسهم في إحداث نقلة نوعية في وعي المجتمع، تمكنه من الخروج من النفق المظلم، تقودها طليعة من أبناء وبنات الوطن، تأخذ على عاتقها نشر الوعي بين جميع مكونات المجتمع السوداني، وتوضح أهمية وضع حد لحكم العسكر الذي أعاق تطور السودان وإنسانه. وتؤمن أن التغيير يبدأ من الداخل، كما قال تعالى في محكم تنزيله: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، عبر تنمية الوعي الذاتي، وتحقيق العدالة الإجتماعية، وتعزيز قيم الحرية والمسؤولية.
كي يستقر السودان ويتطور ويتقدم، لابد من وجود نظام سياسي مدني ديمقراطي فدرالي علماني، يعتمد تداول السلم للسلطة، وتوزيع عادل للثروة، يعتمد على العلم والمعرفة والأخلاق، فهي الركائز الأساسية التي تبني الوطن والمجتمع والفرد. فالمجتمع الذي يُبنى على أسس علمية وأخلاقية هو المجتمع الذي يهزم قوى الظلام والجمود، ويمكن الإنسان من أن يكون فاعلاً ومبدعاً في تحقيق ذاته وخدمة مجتمعه ووطنه.
لذلك، نكرر القول في كل المقالات التي نلقي فيها الضوء على الواقع السوداني، إنّه لا يمكن الخروج من النفق المظلم الذي أدخلتنا فيه قوى الردة والظلام، إلا بهزيمة مافيا السلطة والثروة والسلاح، بقيادة مجرم الحرب البرهان وداعميه الأقزام من الإنتهازيين والرجرجة والدهماء، سواء كانوا تنظيمات سياسية أو أفرادا، هؤلاء أصبحوا مجرد قطيع يتبع قوى الردة والظلام، لأنهم خانوا ضمائرهم وإنحازوا إلى الباطل الذي يمثله مجرم الحرب البرهان.
وضع السودان على مسار التقدم يجب أن يستند إلى قيم نكران الذات والتفاني والإخلاص، بجانب الوعي والمعرفة، لبناء دولة تؤمن بالحرية والتعدد والتنوع، دولة تُعلي من قيمة الإنسان وتحترم حقوقه، وفقاً لثقافة مستنيرة تنتقد الأخطاء وتشيد بالإنجازات.