تحليل اقتصادي حول أثر العقوبات الأمريكية على السودان – القيود على الصادرات والائتمان الحكومي وتأثيرها على قطاعي الصادرات والبنوك فرص السودان في مواجهة هذه العقوبات.
صالح السليمي

أولًا: مفهوم عقوبات القيود على الصادرات الأمريكية
عقوبات القيود على الصادرات تعني فرض الحكومة الأمريكية لقيود قانونية وتنظيمية تمنع أو تحدّ من تصدير السلع والتكنولوجيا والخدمات من الولايات المتحدة إلى دولة مستهدفة (في هذه الحالة السودان)، سواء كانت هذه السلع ذات طابع مدني أو مزدوج الاستخدام (مدني وعسكري). تشمل هذه القيود:
- حظر مباشر على صادرات معينة مثل التكنولوجيا المتقدمة، قطع الغيار، أو البرمجيات.
- إلزام الشركات الأمريكية بالحصول على تراخيص مسبقة قبل تصدير بعض المواد للسودان.
- حظر التعامل مع أفراد أو كيانات سودانية مدرجة في قائمة العقوبات (SDN List).
ثانيًا: مفهوم تقييد الوصول إلى خطوط الائتمان الحكومية الأمريكية
هذا النوع من العقوبات يمنع السودان من الاستفادة من البرامج التمويلية والائتمانية التي تديرها وكالات التمويل الأمريكية، مثل:
- بنك التصدير والاستيراد الأمريكي (Ex-Im Bank) الذي يقدم قروضًا وضمانات للمستوردين من الدول الأجنبية.
- وكالة التنمية الأمريكية (USAID) ووكالات التعاون المالي والاقتصادي الأخرى التي تقدم تسهيلات ائتمانية أو مساعدات ميسرة.
- التمويل عبر المؤسسات المالية متعددة الأطراف التي تتأثر بالضغوط الأمريكية (كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي).
ثالثًا: الأثر على قطاعي الصادرات والبنوك في السودان
- 1. قطاع الصادرات:
- تقلص إمكانية الحصول على مدخلات إنتاج متقدمة (خاصة في مجالات التكنولوجيا، الزراعة، الصحة، والطاقة).
- تراجع القدرة التنافسية للمنتجات السودانية في الأسواق العالمية نتيجة ضعف الجودة وارتفاع التكلفة بسبب اللجوء إلى مصادر بديلة وأغلى.
- اضطراب سلاسل التوريد، خاصة في الصناعات التي تعتمد على أدوات أو برمجيات أمريكية أو تدخل فيها مكونات أمريكية بنسبة معينة.
- تراجع الصادرات غير النفطية التي كانت تعتمد على وسائل نقل أو تغليف أو معالجة بتقنيات أمريكية.
- 2. القطاع المصرفي:
- عزل مالي جزئي أو كلي بسبب منع البنوك السودانية من التعامل بالدولار الأميركي، مما يؤدي إلى:
- ارتفاع تكاليف التحويلات.
- اضطرار البنوك لاستخدام قنوات غير مباشرة.
- حرمان من الخدمات المصرفية العالمية الأساسية مثل التحويلات السريعة (SWIFT)، الاعتمادات المستندية، وخطابات الضمان.
- تقييد فرص التمويل الخارجي للمشاريع الاستثمارية بسبب غياب الضمانات السيادية من جهات أمريكية.
رابعًا: هل تؤثر العقوبات على تعاون السودان مع دول غير أمريكا؟
نعم، ولو بشكل غير مباشر. فرغم أن العقوبات ليست شاملة، فإن تأثيرها يرتبط بـ3 عناصر رئيسية:
- 1. الشركات متعددة الجنسيات والبنوك الدولية التي تتجنب التعامل مع السودان خوفًا من العقوبات الثانوية أو فقدان الوصول للسوق الأمريكية.
- 2. تعقيدات في التمويل: العديد من المعاملات الدولية تتم بالدولار الأمريكي، وبالتالي تحتاج إلى المرور بنظام البنوك الأمريكية أو تتأثر بسياسات الامتثال الأمريكي.
- 3. تقييد التحويلات البنكية حتى من دول صديقة، نظرًا لعزوف البنوك الوسيطة عن المجازفة.
مع ذلك، تظل هناك نافذة تعاون قائمة مع دول مثل الصين، روسيا، تركيا، إيران وبعض الدول الإفريقية، لكن هذا التعاون:
- قد يتم بشروط تجارية غير ميسرة.
- لا يعوض كليًا عن التكنولوجيا والخبرة الغربية.
- يتطلب آليات دفع بديلة ومعقدة (مثل المقايضة أو العملات المحلية).
خامسًا: فرص السودان في مواجهة آثار هذه العقوبات والتحديات التى تواجهه
- 1. تنويع الشركاء الاقتصاديين:
- يمكن ان يقوم بزيادة التعاون مع الصين والهند وروسيا وتركيا لتوفير بدائل للتكنولوجيا والخدمات الأمريكية، ولكن هذا الثلاثي غير مفيدة لأسباب كثير هذه الدول اقتصادها يأخد ولا يعطى.
- الاندماج في الأسواق الإقليمية الإفريقية لتقليل الاعتماد على نظام التجارة الغربي، ولكن هي الأخرى أسواق مستهلكة وبنية السودان الاقتصادية تحتاج التعاون اقتصادات المعرفة.
- 2. التحول إلى الاقتصاد غير النقدي:
- تبني أنظمة دفع بديلة تعتمد على العملات الرقمية أو العملات المحلية في التجارة الثنائية. ولكن القاعدة التي تقوم عليها العملات الرقمية هي قاعدة غربية ونظام تداولها تديره النظم والبرمجيات الأمريكية.
- الاستفادة من المنصات الجديدة مثل نظام الدفع الأفريقي (PAPSS) الذي تم إطلاقه مؤخرًا لتقليل الحاجة للعملات الأجنبية. ولكنه وللاسف نظام في طور الإنشاء ومازال يعاني من ضعف الكفاءة والفعالية.
- 3. إصلاح النظام المصرفي والامتثال المالي:
- تطوير منظومة الامتثال في البنوك السودانية لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT). هذا هو التحدي الأكبر الذي واجه النظام المالي في السودان منذ امد بعيد بالرغم الجهود التي بذلتها حكومة عبدالله حمدوك لان تركيبة الاقتصاد منذ ١٩٨٩ قامت الفساد وغسيل الأموال وضعف الاندماج في النظام المالي العالمي.
- السعي لإخراج السودان من القوائم الرمادية والسوداء الخاصة بــFATF وصندوق النقد الدولي. هذا لن يحدث إلا في ظل حكومة مدنية معترف عالميا لاسيما من قبل الغرب وأمريكا.
- 4. تحفيز الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي:
- تشجيع الصناعات التحويلية المحلية لتقليل الاعتماد على الواردات المحظورة.
- دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في القطاعات الحيوية. هذان الخياران يعتمدان على توقف الحرب وتحقيق السلام والاستقرار
- 5. التفاوض السياسي والدبلوماسي:
- السعي لرفع أو تخفيف العقوبات تدريجيًا عبر خارطة طريق واضحة لوقف الحرب تتضمن إصلاحات سياسية واقتصادية.
- الاستفادة من التغيرات في البيئة الدولية واستقطاب دعم دولي لرفع الحصار الاقتصادي.
خاتمة
العقوبات الأمريكية المتمثلة في القيود على الصادرات وخطوط الائتمان تمثل تحديًا كبيرًا لاقتصاد السودان، خاصة في ظل ضعف البنية التحتية الاقتصادية والمصرفية. غير أن الفرص على محدوديتها لا تزال قائمة عبر تنويع الشراكات الدولية، تطوير القدرات المحلية، وتبني سياسات اقتصادية مبتكرة ومُطوّرة. النجاح في هذا المسار يتطلب إرادة سياسية واضحة ورؤية استراتيجية شاملة تتضمن في أولوياتها وقف الحرب وتحقيق الاستقرار في البلاد وثم مواجهة الأسباب الموضوعية التي قادت الى هذه العقوبات(!)