رأي
عادل تاج الدين جار النبي: خطاب إدريس .. شرعية غائبة و أزمة تتعمق

خطاب الدكتور كامل إدريس، في أول ظهور له كرئيس وزراء، حمل نبرة واثقة وألفاظًا مصقولة، لكنه لم ينجُ من مأزق التناقض. فبينما تحدث عن السلام والحوار الوطني، انحاز مبكرًا لخطاب القوة حين وصف الحرب الجارية بـ”معركة الكرامة الوجودية”، دون أي إشارة لمعاناة المدنيين أو مسؤولية الدولة في حماية الناس.
اقتصاديًا، طرح إدريس وعودًا بتفعيل الزراعة والصناعة وزيادة الصادرات، لكنها بدت أقرب إلى عناوين نظرية بلا أدوات تنفيذ. لم يتضمن الخطاب أي خطة واضحة، أو تصور للخروج من الانهيار، أو حتى اعتراف بحجم الكارثة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
أما على مستوى السياسة، فقد دعا إلى حوار شامل، لكنه لم يقدّم ضمانات ولا خارطة طريق، ولم يُشر إلى القوى المدنية أو لجان المقاومة، ما يجعل دعوته أشبه بإعلان نوايا في فراغ سياسي. الأخطر أن إدريس تجاهل كليًا الحديث عن شرعيته، وكيفية تعيينه، ما يعزز الانطباع بأنه مجرد واجهة مدنية لحكم عسكري.
في المحصلة، جاء الخطاب أنيقًا في لغته، لكنه فقير في مضمونه. لم يقدّم مشروعًا وطنيًا بقدر ما أعاد إنتاج منطق السلطة المفروضة. وإذا لم يتبع القول فعلٌ يُعيد الاعتبار للمواطن وصوته، فإن ما قيل اليوم لن يكون سوى بداية مأزق جديد… لا مخرج منه إلا بالاعتراف بأن الوطن أكبر من البندقية.