رأي

من عجائب حرب السودان: حين تُبرَّر الحرب بانتهاكاتها!

صالح السليمي

من أغرب ما خلفته مأساة الحرب في السودان، وأشدّه مدعاة للأسى والعجب، أن تُتّخذ أهوالها نفسها ذريعة لاستمرارها، فيصبح القتل مبررًا لسفك المزيد من الدم، ويغدو التشريد والاغتصاب والحرق حججًا لإشعال نارٍ لا تزداد إلا استعارًا. تسمع من يقول في حماسة مأساوية: “قتلونا وشردونا، فلا مفر من مواصلة الحرب عليهم!” وكأنما صار الجحيم وقودًا لمزيد من اللهب، لا صرخةً تستوجب الإطفاء!

أي منطق هذا الذي يُبرِّر النار لأنها أحرقت، ويستدعي الكارثة بحجة ما خلّفته من دمار؟

من عجائب المأساة السودانية، ومن أبلغ صور العبث والخذلان، أن يُبرِّر بعض الناس استمرار الحرب بما تخلّفه من ويلات.

لكن، أما سأل أحدهم نفسه: أليست هذه الأهوال هي الحرب ذاتها؟ أليست الحرب هي القتل والتشريد، والحرق، والنهب والانهيار؟ فبأي عقلٍ يُراد وقف الجريمة بتغذيتها، وبأي منطقٍ تُطفأ النار بصبّ الزيت عليها؟

الحرب لا تنجب عدلاً، ولا تحفظ حقاً، ولا ترد كرامة. هي رحمٌ أسود لا يلد سوى الخراب، وسوطٌ لا يضرب إلا الضعفاء، وسكينٌ يذبح الوطن من الوريد إلى الوريد. فكيف يُرجى من خلال الخلاص؟ وكيف تُتخذ طريقاً إلى الإنصاف، وهي قاطعة لكل دروب الرحمة؟

 

إن وقف الانتهاكات لا يكون إلا بوقف الحرب نفسها، لا بإشعالها مجددًا. ففي لحظة الصمت عن الرصاص، تبدأ الكلمات بالبحث عن المعنى، وتُفتح أبواب المساءلة، وتولد فرص العدالة. أما في لجّة الحرب، فلا صوت يعلو فوق دوي الموت، ولا أحد يرى، أو يريد أن يرى، الحقيقة وسط الركام.

أي جنونٍ هذا الذي يجعل من الدم حجةً لطلب المزيد؟ أي عُوار في التفكير، وأي هَوَس بالخراب؟

كأنما صارت الحرب في عيون بعضهم قيمة، لا كارثة، وصار استمرارها واجبًا وطنيًا، لا جريمةً ممتدةً في جسد الوطن.

كفّوا عن تسويغ الجحيم… فليس في آخر هذا الطريق سوى الرماد، وليس في نهايته وطن، بل أطلال تئن، وتاريخ يلعن من أشعل النار ثم راح يرقص في لهبها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!