السودان الوطن المختطف: كيف تستغل الجهوية والعنصرية كمعول لتفكيك و هدم النسيج الاجتماعى السودانى؟
عادل تاج الدين جار النبي

في قلب الأزمة السودانية الممتدة، تبرز العنصرية والجهوية كجراحٍ مفتوحة تنزف باستمرار، تقوض أسس الدولة الوطنية وتضعف أواصر التعايش بين مكوناتها. فبينما يشهد السودان نزاعات مسلحة واضطرابات سياسية متكررة، تتغلغل هذه الظواهر كوقود خفي يؤجج الصراع ويعيق بناء دولة المواطنة والعدالة.
العنصرية في السودان ليست جديدة، بل هي امتداد لإرثٍ استعمر العقول قبل أن يستعمر الأرض. فلطالما تم تصنيف المواطنين وفق ألوانهم وأصولهم الإثنية، مما خلق تمايزاً اجتماعياً واقتصادياً تُرجم إلى سياسات تمييزية وإقصائية. وبدلاً من أن تُدار التعددية الإثنية كرافد للغنى الثقافي، استُغلت لصناعة هرم زائف تتربع فيه مجموعة معينة على قمة السلطة والثروة، بينما تُترك المجموعات الأخرى في الهامش. هذه العنصرية المؤسسية، التي غالباً ما لا يُعترف بها صراحة، تغذي خطاب الكراهية وتُعمق الفجوة بين مكونات المجتمع.
أما الجهوية، فهي الوجه الآخر لعملة التمييز، إذ تُعيد إنتاج الصراع من خلال الولاء للمنطقة على حساب الوطن. وفي السودان، تحولت الجهوية إلى أداة سياسية تُستخدم في صراع النفوذ بين المركز والهامش، وتُغذى بخطابات إعلامية وشعبوية تشد الناس نحو الانتماء الضيق. لقد أدى ذلك إلى ضعف في البنية الوطنية، وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة، وزيادة النزاعات المسلحة بين الأقاليم. والأخطر أن الجهوية تُستخدم اليوم كوسيلة لتقويض أي مشروع وطني جامع، لصالح مشاريع جهوية ضيقة تُمزق جسد الدولة.
لا يمكن معالجة أزمات السودان السياسية والاقتصادية دون الاعتراف بأن العنصرية والجهوية ليستا مجرد أعراض، بل هما أمراض مزمنة تحتاج إلى تدخل جذري. يتطلب ذلك إصلاحاً عميقاً في بنية الدولة، يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، والاعتراف بكل مكونات الوطن دون وصاية أو استعلاء. كما يتطلب إعادة صياغة الخطاب السياسي والإعلامي، ليكون جامعاً لا مُفرقاً، وليؤسس لثقافة مواطنة تتجاوز الانتماءات الضيقة نحو وطن يتسع للجميع.
فإذا أراد السودان الخروج من دوامة الانقسام والحرب، فلا بد من مواجهة صريحة مع هذه الظواهر المدمرة، ووضع مشروع وطني حقيقي يُعلي من قيمة الإنسان، لا لونه أو منطقته. فالوطن لا يُبنى بالحقد، بل بالعدالة؛ ولا يتماسك بالتمييز، بل بالاعتراف المتبادل والمساواة الكاملة.