رأي

الكيزان وأزمة الدولة في السودان

نجم الدين دريسة

يقيني أنه لا يوجد شيء أشد خطرًا وسوءًا وفتكًا وظلمًا على الشعوب السودانية من جماعة الإخوان المتأسلمين (الكيزان)، فإن تجاربهم كلها أكدت بما لا يدع مجالًا للشك على مدى التاريخ أنهم عاجزون عن تأسيس وبناء الأوطان، لأن مفهوم الوطن بمفهومه الحديث بعيد عن مخيالهم الذي يقبع خلف أقبية التاريخ. فهم دائمًا يعيدون الأوطان والشعوب إلى الوراء، بل إنهم يوفرون المناخ الملائم لعشعشة الجهل، وتغبيش الوعي، والهروب من عالم الحقيقة المشاهدة، والبحث عن حلول رغائبية في عالم الغيب والميتافيزيقا.

في السودان، ظلت هذه الجماعات المهووسة تعبث بمصير البلاد والعباد منذ انقلابهم المشؤوم في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م، وهو الانقلاب الذي عمّق الأزمة السودانية؛ فبعده شاحت الحياة وباتت أكثر تعقيدًا. ففي هذا العهد الغيهب اتسعت رقعة الحروب الداخلية، مما أدى إلى مزيد من الانقسامات الاجتماعية، وتصاعد العنصرية وخطاب الكراهية، وصار الوطن بؤرة لاحتضان الجماعات الإرهابية، علاوة على التنكيل والبطش بالمخالفين لهم في الرأي عبر أجهزة مخابرات صُنّفت من الأسوأ في العالم، علاوة على جرائم الحرب والإبادة، ونهب وسرقة ما يزيد على الأربعمائة مليار دولار، كانت كفيلة بأن تحوّل السودان إلى جنة الله في الأرض. وقد ارتُكبت كل أشكال الفظائع والموبقات والجرائم والانتهاكات التي لا يسع المقال لذكرها.

جماعة الهوس الديني شوّهت ديباجة الإسلام الوضاءة، لمؤسسةٍ عقابيةٍ خيرها للأقلية وضيرها للأغلبية. حوّلت كل المؤسسات المدنية والعسكرية الموروثة عن الاستعمار إلى ضيعات تخص هذه الجماعة، وتحوّل الاختيار في هذه المؤسسات إلى أساس الولاء للجبهة الإسلامية. قيادات الجيش والشرطة والخدمة المدنية، السواد الأعظم منها، ولاؤهم للجماعة، والجماعة لا تؤمن أصلًا بفكرة الوطن أو فكرة الدولة القطرية، ما جعل السودان يعيش مرحلة أكثر خطورة وتعقيدًا، إلى أن أطاحت بها الثورة الشعبية الباذخة.

وللأسف، لم تستسلم هذه الجماعة الأخطبوطية، وظلّت تسعى للعودة عبر الدولة العميقة التي استثمرت فيها لثلاثة عقود من الزمان… وبالطبع، الجيش يُعد واحدًا من أذرع الحركة الإسلامية، وهو أمر معلوم لكل من ألقى السمع وهو شهيد. وكلنا سمعنا هتافات ملايين الثوار وأصواتهم تبلغ عنان السماء: (الجيش ما جيش السودان، الجيش جيش الكيزان)، عبارة ردّدها ملايين من الشعوب السودانية، وهتافات أخرى: (الجيش وسخان)، في إشارة لجرائم الفساد والانقلابات والحروب العبثية ضد الشعوب السودانية، كما أنه ظل عرضة للاختطاف والاختراق والارتهان، ومخلب قط للتدخلات الأجنبية.

فالاسلامويون ظلوا يخدمون هذه المؤسسة والمؤسسات الأخرى، ليس فقط في إجهاض الثورة الشعبية والوقوف ضد خيارات الشعوب السودانية في الحكم، بل في العمل على تشويه صورة القوى السياسية والمدنية وأي قوى أخرى تؤمن بالتغيير، بإطلاق الدعاية السوداء وبث الأكاذيب لشق صفوف القوى المؤمنة بالتحول الديمقراطي التي تقف ضد مشروعهم السلطوي الاستبدادي الغاشم. وهم من أجل ذلك مستعدون لإراقة دماء كل الشعوب السودانية.

إزاء هذا السرطان المدمّر، لا بد من تجاوز الانقسامات المختلفة، السياسية منها والاجتماعية، لكي ينتصر المشروع المدني الديمقراطي. ولتعلم الشعوب السودانية أن الخطر الماحق هو الإسلام السياسي، لأنه ما دخل بلدًا إلا وتلاشت معه فكرة الدولة والوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!