تقارير وتحقيقات

الأمن .. الاستقرار الاقتصادي وتوفير الخدمات..

 قضايا على طاولة (تأسيس)..؟

تقرير: محمد آدم

حرب السودان لم تضع رحاها في الثلاث ساعات، كما حددتها قيادة الجيش في صبيحة الخامس عشر من أبريل، ولا أسبوع الجنرال هاشم العطا، هاهي الآن تدخل عامها الثالث، ومازال القصف والمعارك مستمرة فوق رؤوس المدنيين.. وأفواج النزوح مازالت تعبر ولايات السودان بحثا عن مناطق آمنة، وأمواج اللاجئين تتدفق صوب بلدان العالم تنادي بالسلام والأمن..

(هل السودان الآن بحاجة لحكومة، تحديداً في مناطق سيطرة الدعم السريع..؟) تساؤل لا يمكن الأجابة عليه إلا بعد قراءة لمُجمل التحولات التي حدثت خلال عامي حرب الخامس عشر من أبريل، حيث انقسم السودان جغرافيا حسب توازنات الحرب، أعقبه تقسيم سكاني جهوي مناطقي، وفي الوقت الذي يسيطر فيه الدعم السريع على الأجزاء الغربية والجنوبية وأجزاء من وسط السودان، تسيطر قوات الجيش على الولايات الشمالية والشرقية، طوال سنوات الحرب، يعيش السودانيون عُزلة مدنية في المناطق خارج سيطرة الجيش، لعامين لم تصل أي مساعدات انسانية للمتضررين من الحرب، تراجع الأوضاع الاقتصادية للذين فقدوا مصادر دخلهم، وتوقف خدمات التعليم والصحة، الكهرباء والاتصالات، وإغلاق كامل لكل المؤسسات الصحية والعلاجية، ومؤسسات الدولة الرسمية، وتم نقل العاصمة بورتسودان، وظلّ الدعم السريع يسيطر على عاصمة بدون مؤسساتها الحكومية، وبالرغم من تأسيس إدارات مدنية في مناطق سيطرة الأخير، إلا أن الأزمة الاقتصادية والخدمية كانت أكبر من أمكانيات الإدارات التي تشكلت بأمكانيات محدودة وقتها لمواجهة قضايا حماية المدنيين وتوفير بعض مقومات الحياة.

واقع مختلف يرى مراقبون أنه الأكثر عنفاً من الحرب ذاتها، الآلاف من المواطنين عجزت أوضاعهم الاقتصادية بالانتقال بهم من مناطق الصراع لمناطق أخرى، أو لجوءهم لدول مجاورة، ليصبحوا عُرضة لهجمات الطيران وسقوط الدانات على رؤوسهم، أو هجوم العصابات من حين لآخر.. (عنتبي) الأوغندية في مؤتمرها الجامع لقوى (تقدم) المُقرر من خلالها تناول تداعيات الحرب على السودانيين، وضرورة معالجة الأوضاع الأنسانية وتوفير الحماية للمدنيين، لكن أنفضّ اجتماع (عنتبي) بمفاصلة سياسية، أفضت لكتلتين، رافض لتأسيس حكومة (موازية) عُرفت بـ(صمود)، وقوى ترى أن المسؤولية تحتم عليها التحرّك من أجل التغيير وبناء سودان جديد، فكان (التأسيس) وميلاد تحالف جديد مضى في أتجاه بناء يتجاوز مطبات السياسة السودانية، تم التوقيع على الميثاق التأسيسي ليعقبه الدستور الانتقالي والذي تم التوقيع عليه في العاصمة اليوغندية نيروبي في الرابع من مارس 2025، حيث اعتبره مراقبون أقوى وأفصح الدساتير في تاريخ السودان، لأجابته على الكثير من الأسئلة حول كيف يحكم السودان؟ وكيفية إدارة التنوع والتعدد بين شعوب السودان والطريقة المُثلى لإدارة الموارد.؟ ذات التساؤلات المتوارثة منذ أجيال الاستقلال الأولى..

من المتوقع أن تعلن قوى (التأسيس) عن تشكيل حكومة السلام نهاية الشهر الجاري، فهل تنجح في مهام التحول المدني وتحقيق الأهداف التي ألتقت من أجلها قوى الـ(تأسيس)؟ إنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل. مراقبون يرون أن تحقيق هذه الأهداف يرتبط بمساحة القبول الدولي والاقليمي للحكومة حين اعلانها، الاعتراف من شأنه دعم الأهداف المعلنة لقوى (التأسيس)، مؤكدين أن الحكومة القادمة تتمتع بالسند الشعبي، وها أبرز عوامل نجاحها، خاصة وأن الحديث عن الشرعية يشوبه الكثير من الجدل.

وزير العدل السابق د. نصر الدين عبد الباري، ذهب إلى أن تأسيس حكومة مدنية (موازية)، في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، أمر تقتضيه الضرورة الملحة لصيانة كرامة ملايين المواطنين في تلك المناطق، الذين يفتقرون إلى أساسيات الحياة، كالصحة والتعليم، ولا يملكون خياراً سوى البقاء في مناطقهم. تأسيس الحكومة ليست له علاقة بجدل الشرعية أو عدمها، لأنه لا شرعية اليوم لأحد في السودان، ولا توجد آليات متفق عليها لتحديد شرعية أي سلطة قائمة، أو سوف تقوم في المستقبل. وصون كرامة الإنسان السوداني بتأسيس الحكومة الموازية بات أمراً ضرورياً، وينبغي أن يكون فوق الاعتبارات السياسية، أياً كانت.

هل تستطيع الحكومة المرتقبة مواجهة التحديات الماثلة بفعل أوضاع الحرب والإستهداف؟ جغرافيا الحكومة ستمتد في كل مناطق سيطرة الدعم السريع، والتحدي الأساسي لها هو تحقيق مطلوبات الحياة للمواطن من أمن واستقرار وتعليم وإحترام للتعدد والمعتقدات، وتوفير الأمن وإنشاء قواعد ومضادات متطورة، وربما إنشاء قواعد طيران عسكرية، وهذا الخيار الأكثر طلباً وإلحاحاً بالنسبة للمواطن في مناطق سيطرة الدعم السريع بسبب هجمات الطيران المتكررة على المناطق الآمنة.

(حكومة المواطن) لافتة عريضة ربما تمثل خُطى الحكومة القادمة، وخطة عملها بعد التشكيل، مواطنين محرومين من استخراج وتجديد أوراقهم الثبوتية، يتم اعتقالهم وربما تصفيتهم بسبب كونهم وجوه غريبة، يتم قصفهم بالطيران والبراميل المتفجرة باعتبارهم حواضن لقوات الدعم السريع، تُرى هل تقبل (تأسيس) تحدي البقاء، وتعبر بأنسان السودان إلى السودان الجديد..؟ أم تصطدم بمتاريس السودان القديم..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!