
مهما اتّسعت مواعين وأدوات اللغة، ستقف حائرة تمامًا عن وصف حالة النظام المصري الكريه والبغيض، الذي ما فتئ يُثبِت ويؤكّد على الغباء المدهش، والانحطاط، والخِسّة، والدناءة في التعاطي مع الشأن السوداني خلال قرنٍ من الزمان، رأينا فيه أجهزة النظام المصري، ممثلة في أجهزة مخابراتهم وإعلامهم، كيف كانت تمارس الكذب والتضليل والخداع من أجل استغلال موارد وثروات السودان: مياهه، وأراضيه، ومعادنه، وثرواته الزراعية والحيوانية والغابية، كل ذلك من خلال الجيش المختطف والمخترق بواسطة مخابراتها، والمتآمر على الشعب السوداني، الذي احتكر العنف ضد شعبه عبر الحروب والنزاعات، علاوة على إجهاض الثورات الشعبية لصالح الدولة المصرية المحتلّة لحلايب وشلاتين وأبورماد؛ أجزاء عزيزة من أراضي الوطن، اغتصبت بواسطة الجيش المصري، وجيش البازنقر لا يزال يمارس العمالة والارتهان.
طرائق تفكير كثيرة جدًا ومعقّدة لا يعلمها إلا من خبر مصر وتعمّق في مكرها اللئيم، القائم على الدسائس والمؤامرات… الدولة المصرية، علاوة على جرائمها وانتهاكاتها التاريخية، هي وراء كل الفظائع التي أعقبت ثورة ديسمبر، بدءًا من ارتكاب مجزرة القيادة العامة، مرورًا بانقلابهم المشؤوم في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، وانتهاءً بحرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣م، بالاتفاق مع عناصر النظام المباد، وعلى رأسهم رئيس وزراء، ورئيس جهاز مخابرات الرئيس المخلوع، بالإضافة إلى الأمين العام للحركة الإسلامية، والخطة التي رسمتها المخابرات المصرية هي القضاء على قوات الدعم السريع، خاصة بعد الصعود السياسي الكبير لقائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو، وانحيازه للخيار الشعبي ودعمه للاتفاق الإطاري والحكم المدني الديمقراطي في السودان، وهذا ما جمع مصر وإسلاميي السودان للتخلص ممّا يظنّانه عدوهما المشترك، لأن مصر وبعض الإسلاميين وقوى الردّة من النخب المرتبطة عضويًا بمصر، وأصحاب الامتيازات التاريخية، ضد أيّ تغيير جذري يُفضي إلى بناء وتأسيس دولة سودانية على أسس جديدة وعادلة.
هذه المجموعة المرتبطة بمصر، أشعلت الحرب بتحريض من المخابرات المصرية، وكانت تعتقد أن الحرب ستقضي على قوات الدعم السريع في بضع ساعات، خاصة وأن مصر قدّمت دعمًا عسكريًا ولوجستيًا وفنيًا للقوات المسلحة، والتدخل الكامل لطيرانها العسكري، ولكن خاب ظنهم، وتأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن أجهزة المخابرات المصرية، من فرط غبائها وسوء تقديراتها، أغفلت أن جيشها في السودان ليست لديه قدرات ولا عقيدة قتالية، فلتقى سلسلة من الهزائم، وصارت الفرق والوحدات العسكرية تسقط في يد الدعم السريع كحبات الدومينو… وفشلت كل محاولات الاستنفارات والتحشيد وشراء المرتزقة داخل وخارج البلاد، وانكشف زيف الغرف الإعلامية التي احتضنتها القاهرة لبث الشائعات والأكاذيب…
مصر يلازمها إصرار دؤوب على استمرار الوضع في السودان على ذات الحال، دون مراعاة لحركة التاريخ والتطور الكبير الذي طرأ على المشهد السياسي في السودان، ويسوؤها أن ترى وطنًا سودانيًا حرًّا مستقلاً بعيدًا عن صلفها وتدخلها السافر… لكن ليس في كل مرة تسلم الجرّة. خابوا في دك قلاع وحصون الدعم السريع… فتقزّمت أطماع الدولة الفرعونية لتفصل السودان، ولكن حتى هذه الرؤية لم تعد مصر قادرة على فرضها، وبالطبع، هي الفكرة التي تبنّتها وروّجت لها ذات النخبة الدنيئة وغوّاصات الدولة المصرية، وأطلقت عليها “دولة البحر والنهر”، وحتى الاسم يُبرز غباء وسطحية هذه النخبة، أو ما يُعرف بـ”مثلث حمدي”، لكن هذه رؤية أحادية قاصرة، روّجت لها فئة ضالّة، وتلقّفتها دولة طامعة وجائرة.