القوى السياسية بعد ١٥ أبريل.. غياب من المشهد

التنوير: مروة الأمين
تاريخ طويل من الصراع الحزبي في السودان يشمل حقائق أهمها الفشل في الإتفاق فيما بينها والذي قاد البلاد لوجود حزب واحد منذ العام ٨٩ وهو حزب الدين والتطرف المؤتمر الوطني الذي هيمن بفرض القوة العنيفة ومنع حرية الرأي وعندما اجتمعت الأحزاب مع القوى الثورية والشارع في ثورة ديسمبر أسقطت نطام الحكم وحزبه الوحيد، وأتت متغيرات اليوم مع حرب أبريل وحضر واقع وجود راهن جديد فيما بعد ١٥ أبريل، وقوى أحزاب الثورة بدأت مهاترات التخوين والاغتيال المعنوي من بعد سقوط النظام في الفترة الانتقالية ويرى البعض أنها كانت الفترة الأسوأ على الإطلاق لهذه الأحزاب وبعد الحرب ظل بعضهم يخالف الطريق نحو الحرية والديمقراطية التي نادوا بها لسنين طويلة وهم ينتظروهم اليوم الذي تتوحد فيه القوي الديمقراطية وتعزل المخربين والكيزان والفلول ومن شايعهم من الأحزاب والبلهاء وأصحاب الغرض.
_ النمطية جزء من الفشل
طريقة تعامل الأحزاب مع فترة حكومة الثورة والانقلاب العسكري الذي تلاها ربما يكون أحد أبرز تأثيرات ما بعد الثورة الذي ساهم في وجود الحرب بطريقة غير مباشرة حيث تعاملت مع بعض القضايا الوطنية الهامة بلا مبالاة ودون معالجات والتي تعتبر قضايا أثرت خلال واقع ما بعد الثورة على مصير المرحلة الانتقالية كقضية شرق السودان وقضايا الهامش فالتفريط في تلك القضايا من قبل القوى السياسية بصفة عامة جزء أصلي من نمط تفكير عام عن السياسة السودانية في ذهنية تلك الأحزاب بوصفها سياسة تعكس اهتماماً مركزياً ضيقاً في الشأن العام لا يتعدى نطاق الخرطوم، في بلد مترامي الأرجاء كالسودان، هذا يعد كأحد الأمراض السياسية المزمنة لبنية ونمط تفكير الأحزاب السياسية المركزية في السودان وهو الذي كانت الحرب إحدى نتائجه غير المباشرة على المدى الطويل.
_جهود لوقف الحرب
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، ظلت قوى مدنية وسياسية تعمل من أجل تكوين «مركز مدني موحد»، يضغط من أجل وقف الحرب، واستعادة التحول المدني الديمقراطي، وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وأدت مساعي هذه القوى إلى تكوين تحالف باسم «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» المعروف اختصاراً بـ«تقدم»، ويقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
وعلى الرغم من أن تحالف «تقدم» يعد أوسع تحالف مدني تكوّن بعد اندلاع الحرب، فإنه لم يشمل قوى سياسية يسارية، أبرزها «الحزب الشيوعي» الذي كوّن تحالفاً آخر تحت مسمى «تحالف قوى التغيير الجذري»، وحزب «البعث العربي الاشتراكي» الذي كوّن تحالفاً آخر باسم «الجبهة الشعبية العريضة للديمقراطية والتغيير».
وكانت البداية لجهود وقف الحرب قادته تقدم من العاصمة المصرية القاهرة حيث شملت اجتماعاً لأكثر من 15 حزباً وتنظيماً، بالإضافة إلى تنظيم العسكريين المتقاعدين المعروف باسم «تضامن»
ما بعد الحرب
جاء ما بعد الحرب أكثر صعوبة على القوى السياسية المدنية لتلك القوى عما قبل الحرب وهذا يعني أن القوى السياسية السودانية التي فشلت في الوقوف أمام تحديات أوضاع ما قبل الحرب عانت من عسر التعامل مع المهام السياسية من أجل أن تلعب دوراً حاسماً في إنهاء الحرب، وبالفعل بعد سنتين ماتزال مستمرة.
انقسامات متعددة
أتى لاحقاً الانقسام الذي ضرب كتلتي (قوى الحرية والتغيير – المركزي) من ناحية، والكتلة الديمقراطية من ناحية أخرى، ونشاطهما السياسي من أجل إنهاء الحرب، الذي تعمل عليه الكتلتان من مواقع مختلفة بين كل من القاهرة وأديس أبابا، وهما عاصمتان أفريقيتان تتنافسان على أجندات سودانية مختلفة، سيبدو واضحاً أن طبيعة المرحلة الانقسامية التي تحكم عمل الكتلتين جزء من منظومة العجز المانعة من وحدة وتمكين نشاط فاعل للقوى السياسية من أجل لحظة وطنية تعمل على إنهاء الحرب. هنا سنجد أيضاً أن في التناسب الطردي بين اتساع نطاق الحرب في السودان والتغيير الذي يضرب هويتها السياسية من ناحية، والعجز المتفاقم للقوى السياسية المدنية عن القدرة على الفعل الذي بإمكانه صنع تأثير يفضي إلى إنهاء الحرب من جهة أخرى.
ثم من بعد خلافات داخل تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) حول تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، أعلنت 57 جهة، تضم أحزابًا سياسية ومكونات مدنية ونقابية، عن تأسيس “التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، مؤكدة التزامها بمسار مدني ديمقراطي مستقل بعيدًا عن طرفي الصراع.
_تكتلات القوى الحزبية والحرب
تيار القوي المدنية المتبنية لشعارات ثورة ديسمبر 2018م. تضرب الانقسامات السياسية هذا التيار و لكنها لا تفقده طبيعته المدنية و الديمقراطية تنحصر الخلافات بين هذه القوي في كيفية إدارة علاقات السودان الخارجية بما يشمل الاقتصاد و مصادر التمويل لمشروعات التنمية المرجوة. و خلاف آخر مضخم و هو في التعاطي مع عملية إيقاف الحرب هل يتم ذلك عبر مراكمة النضالات السلمية المفضية لعزل الدعم السريع و الجيش و تجفيف موارد تمويلهم و إجبارهم علي اسكات السلاح و هو طريق طويل و شاق ( التغيير الجذري) و الطريق الثاني و هو عبر التفاوض مع طرفي الصراع العسكري الدعم السريع و الجيش دون وعدهما بالمشاركة السياسية مستقبلا (تقدم). هذه الخلافات ليست جوهرية لكنها في طرائق و أساليب العمل من أجل من نفس الهدف. كما هو معروف لا يمكن الوصول للسلام و وقف الحرب دون اتفاق الدعم السريع و الجيش و هذا اتفاق يخصهما فقط و يتكون من شقين و هما اتفاق الترتيبات الأمنية أولا ثم اتفاق إطلاق النار و عمليات المراقبة المحلية والدولية و ضرورة وجود قوات دولية عازلة و حافظة للسلام، من سيحمل الطرفان علي وقف الحرب هو ليس القوي المدنية بل المجتمع الدولي و الإقليمي الذي هو نفسه مسؤول عن قوات حفظ السلام .
ماذا بعد تحقيق اتفاق سلام؟!
حدوث الاتفاق يعني أن تستلم السلطة القوي المدنية التي يجب أن تكون متوحدة حول أهداف سياسية محددة و هي كتابة مسودة دستور تجيزها جمعية تأسيسية منتخبة. طرد عناصر الحركة الإسلامية و المؤتمر الوطني و جميع لافتاتهما من جهز الدولة بما يشمل القطاع الأمني و العسكري . بناء سلطة قضائية من عناصر غير منتمية لنظام الكيزان و كذلك النيابة. الاتفاق علي أن المحاسبة و بقية مطالب الثورة يتم إرجاؤها للحكومة الديمقراطية القادمة و جمعيتها التأسيسية. و لا يفوتكم أن واحدة من أسباب فشل الفترة الانتقالية هو إثقال كاهلها بالمطالب و التكاليف.
ويقول فيصل محمد صالح الصحفي الأكاديمي ووزير الثقافة السابق:” من المؤكد أن فترة ما بعد الحرب، متى ما توقفت، ستشهد هزة كبيرة في الواقع السياسي السوداني، وإعادة ترسيم للمشهد بطريقة تشهد تصدع الولاءات القديمة، واختفاء أحزاب كبيرة، وظهور أخرى، وبالذات الأحزاب والحركات المناطقية والجهوية التي تكاثرت في فترة الحرب. إنه طوفان قادم لن يبقى فيه حياً إلا من استعد بالتحديث والتجديد، وتطوير البرامج، والقدرة على التعامل مع الواقع الجديد والمعقد”.
_خلاصة
خلال حرب 15 أبريل 2023م انكشفت حقيقة أطماع الحركة الإسلامية في العودة للحكم و الإفلات من العقاب و مصادرة ريع فساد 30 عام من الحكم الشمولي الفاسد. انخراط منسوبو الدفاع الشعبي، وحدة عمليات جهاز الأمن و المخابرات الوطني و كتيبة البراء في الحرب في جانب الجيش يقف أكبر دليل علي أن الحرب هي حرب الحركة الإسلامية ضد قوات الدعم السريع. استخدام البرهان و جوقة عناصر اللجنة الأمنية لعبارة “حرب الكرامة” التي قال بها المجرم الهارب أحمد هارون دليل آخر. ما يميز الحركات المسلحة السودانية أنها تنازل الجيش و تذهب للسلام مع نظام الحكم العسكري و تقتسم معه السلطة و تحوز قياداتها علي مكاسب مادية من صفقات السلام تلك. وكمثال تقف اتفاقية الميرغني قرنق و كوكادام كمبادرات مدنية مع مسلحين إقليميون و لم تمضي للنجاح المرجو.
فائدة القول أن القوي المدنية لم تواجه حرب شاملة (جغرافيا) غير هذه المرة كانت الحروب السابقة متركزة في أقاليم سودانية محددة، ويبدو أن القوي المدنية تتلمس طريقها في التعامل مع هذا الواقع الجديد الذي فرض حرب أبريل ومالاتها.