رأي

عبد الفتاح البرهان… الخيانة لا تُثمِرُ إلا ذلًّا!

 عبد المنعم سليمان

“يداك أوكتا وفوك نفخ”… مثلٌ عربيٌّ قديم، ضاربٌ في الحكمة، يُضرب لمن حفر قبره بيديه ونفخ فيه بلسانه. ولا أحقَّ به من عبد الفتاح البرهان، الذي سلَّ سيفه، لا نصرةً لوطنٍ ولا دفعًا لعدوّ، بل سلَّه على شعبه، طمعًا أجوف في حكمٍ لا يستحقه، فمزَّق جسد السودان شرقًا وغرباً، وذرَّه إلى قبائل تتحارب، وسفك بيديه ماء وجه الدولة، ثم جلس يرقب احتضارها مزهوًّا بخيبته!

 

من أجل إسقاط الحكومة المدنية، قام بإطلاق وحوش الفتنة في شرق السودان من عقالها، وموَّلها من خزائن استخباراته، واستدعى بها أشباح النظام الفاسد البائد من قبورهم النتنة. فقسَّمهم في البداية، واختلق فرية “بجا سودانيون” و “بجا وافدون منفيون عن الهُوية”، وراح يُغري هذا ويُقصي ذاك، حتى استحال شرق السودان إلى ساحة حرب اجتماعية. ثم، في مشهدٍ يندى له جبين الشرف العسكري في العالم كله، ويُعدُّ أقصى ما بلغه الانحطاط العسكري في العصر الحديث، بارك إغلاق الموانئ وقطع الطريق القومي، بواسطة ثُلَّة من الأوباش، ليخنق البلاد اقتصاديًّا، ويُغلق مجالها الحيوي بالكامل، ويضع شعبه رهينةً لجشعه إلى الكرسي.

 

لم يرَ في ذلك خيانةً، ولا في نفسه ذلًّا، ولا في منصبه عارًا. لم يشغله سوى التسلُّل إلى عرشٍ مهتزّ، حتى لو عبر على جثة الوطن. فالرجل انتهازيٌّ أجوف، لا يجمع حوله إلا سقط المتاع: أسوأ الضباط، وأردأ الكيزان، وبغايا المنابر، ولصوص المال، وشيوخ قبائل باعوا تاريخ وإرث قبائلهم بلقمة وذهب، وحوَّلهم إلى كلاب نابحة، تُطارد الحُلم الديمقراطي وتنهش في سمعة الشرفاء، تنفيذًا لأجندته وأجندة أسياده الداخليين والخارجيين!

 

لكن البرهان، الغافل في سكرته، لم يدرِ أنه يربي أفعى في حِجره، وأن من يُؤلِّب الدهماء ويُشعل الكراهية سيصطلي بنارها. وها هو يحصد بالأمس حصاد زرعه الخبيث: مؤتمر تشاوري لشرق السودان، يُعقد بفضيحة وطنية تحت رعاية رئيس دولة أجنبية – أسياسي أفورقي – الذي تُطِلّ مطامعه على البلاد من كل جهة. وهناك عنده توحَّد البجا، لا تحت راية البرهان، بل على كُرهه. هتفوا بسقوطه، وأهانوه على المنصة، بل طالبوا نصًّا بـ”مسح كرامته بالأرض”، وامتدَّت الإهانة إلى عسكره ومرتزقته وميليشياته، في لحظةٍ تاريخية تختصر انحلال صورته وسقوط هيبته.

 

وكما هو معلوم، فإنه لا خطر على السودان أشدُّ من عودة الكيزان، كذلك لا خطر على وحدته أكبر من وجود البرهان، ولا من كارثة تمشي على قدمين أعظم منه: فهو من فتح الأبواب للأجنبي، وهو من أدخل الجيوش الأجنبية إلى البلاد، وهو أكبر ماكينة لتفريخ الميليشيات، وهو من سمح لدولةٍ صغيرة أن تُشرف على ملفات وطنٍ بأكمله، حتى بات أفورقي يرعى الاتفاقات، ويُشكِّل ويُدرّب الميليشيات المسلحة، وكأن السودان قد وقع تحت انتدابه!

 

فأيُّ طينةٍ عَفِنة كوَّنت هذا الرجل؟ وأيُّ صدرٍ سقاه ذلًّا، حتى فُطِم على الخيانة والمهانة والعمالة؟

 

لقد تهاوى البرهان، وتهاوت هيبته الكذوبة، كما تتهاوى الأصنام حين تُكسر سُترتها: بلا رهبة، بلا وجَل. انفلتت قبضته، وتفكك حلفه، ولم يَبقَ له من القوة سوى صدى خافت لصراخ كيزانيٍّ ماضويٍّ ذليل. فمن يكذب على وطنه، ويخون شعبه، لا يخرج من نهايته إلا محمولًا في نعش التاريخ… بلا مُشيّعين.

 

تلك هي عاقبة الغدر، وخاتمة الخيانة.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!