رأي

حتى لا تصبح العمالة شماعة للسلطة

بقلم: منال علي محمود

قرأت المقال الصادر عن وكالة (One Press) بعنوان (العملاء.. آفة الدول) بقلم الأستاذ عوض الله نواي، والذي يضع إصبعا حادا على ما يراه خيانة داخلية وتجسسا مقنعا في مسار تفكيك الأجهزة الأمنية. المقال مكتوب بلغة جذابة ومتماسكة في سرديته، لكنه يحتاج لوقفة متأنية تحاكم الخطاب لا العاطفة، وتفكك المسلمات لا تسلم بها.

أولا: بين التخابر والإصلاح.. خلط مقصود؟

حين يربط كل مسار إصلاحي بمؤامرة خارجية، فإننا نفرغ فكرة الإصلاح ذاتها من مضمونها.

عرض خطط إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية أمام جهات دولية ليس سلوكا مستجدا، بل هو جزء من اتفاقيات ما بعد النزاعات في العالم، حيث تلعب الجهات الدولية أدوارا استشارية لا تحكمية، خاصة في الدول الخارجة من حروب أهلية أو انقلابات عسكرية.

السؤال الحقيقي ليس: هل ناقشوا ملفات أمنية مع سفراء؟

بل: هل كانت هذه المناقشات خارج الأطر المتفق عليها؟ وهل هي اختراق أم تنفيذ لاتفاقات مثل اتفاق جوبا أو مسارات الدعم الانتقالي؟

ثانيا: الدفاع عن الجهاز… أم إعادة إنتاجه؟

صحيح أن جهاز المخابرات في أي دولة هو خط الدفاع الأول. ولكن من قال إن دعم الجهاز يتطلب تعطيله عن المساءلة؟

هل كل محاولة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية تساوي بالضرورة مخطط تخابري خارجي؟ أليس الأجدر أن نقول إن قوة الجهاز تكتمل بمحاسبته وتزداد بترشيده لا بتحصينه ضد النقد؟

في الحقيقة، أخطر أنواع الاختراقات الأمنية هي تلك التي تموه بشعارات وطنية.

فمنع المراجعة باسم السيادة يفتح باب التمكين من جديد، ويغلق باب التصحيح.

ثالثا: إيران ليست قدوتنا ولا عدونا بالضرورة

استحضار النموذج الإيراني في هذا المقال يبدو متناقضا.

فإيران، وفقا لما ورد في المقال، دولة تحاصر لأنها ضد الصهيونية، وهذا تفسير يتجاهل حقائق داخلية كبيرة: الاستبداد، القمع، وإسكات الشعب باسم الأمن.

فهل هذا النموذج يُحتذى به؟ وهل نقيس نجاح الأجهزة بقدرتها على الصمت والجبروت فقط، أم بارتباطها بمصالح الشعب وحمايتها للدولة لا للنظام؟

رابعا: العمل الأمني لا يُختزل في فرد

الإشادة بقائد الجهاز قد تكون مبررة في نظر البعض، ولكنها تفترض أن البطولة الفردية يمكن أن تحل محل المؤسسات.

والأخطر أنها ترسل رسالة ضمنية: دعوا الأمر لأهل الظلال ولا تسألوا عن شيء.

لكن الدولة الرشيدة لا تبنى على الولاء، بل على المراقبة والمحاسبة.

خامسا: العميل ليس دائما من يخالفك

من أسهل الطرق لإسكات المخالفين في عالمنا العربي هي أن تصفهم بالعملاء.

وما يطرحه المقال عن العميل المحلي هو خطاب خطير إذا لم يضبط بضوابط قانونية.

فهل كل من يرى ضرورة إصلاح المنظومة الأمنية خائن؟

وهل كل من يفتح نوافذ للنقاش الخارجي متآمر؟

الوعي الحديث بالأمن أوسع بكثير من هذه الثنائية: (وطني = صامت)، (عميل = ناقد).

سادسا: بين دولة الأمان ودولة الأبارتهايد السياسي

حين تُحتكر المؤسسات السيادية بواسطة مجموعة مغلقة وتجمد مواقع اتخاذ القرار لحساب توازنات خفية، فنحن لا نتحدث عن دولة قانون، بل عن أبارتهايد سياسي.

التمييز ليس فقط بين مدني وعسكري، بل بين مواطن ومواطن، بين من يحق له أن يعلم ويقرر، ومن يُفترض أن يصفق فقط أو يخرس.

ما أسماه المقال (إعادة الثقة بالمخابرات) لا يجب أن يكون على حساب زوال الثقة بكل ما عداها، فدولة الأمن وحدها ليست دولة، بل نظام يستنقع ثم ينهار.

الخلاصة: نحو أمن لا يعادينا

الأمن الحقيقي لا يشك في شعبه، بل يحميه. ولا يهاب الإصلاح، بل يرحب به.

العدو ليس دائما على بوابة السفارة، بل أحيانا في عقل من يرفض التغيير خوفا على سلطته لا على وطنه.

المطلوب اليوم ليس خطابا يرهب كل نقد، بل عقلا وطنيا يبني الثقة بين المواطن وجهاز الدولة، ويدرك أن السيادة تصان حين تكون مدعومة بالشرعية لا بالخوف.

 

manal002002@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!