رأي

ما هو مفهوم الكلبتوقراطية؟

صالح السليمي

الكلبتوقراطية (Kleptocracy) تعني حرفياً “حكم اللصوص”، وهي نظام سياسي تُهيمن عليه النخبة الفاسدة التي تستغل السلطة لنهب ثروات البلاد وتكديسها لحسابها الشخصي. في هذا النوع من الأنظمة، تُدار الدولة وكأنها مشروع خاص للحكام والمسؤولين، حيث يُستخدم النفوذ السياسي لسرقة الموارد العامة من خلال الفساد المنظّم، الرشوة، والاحتيال المالي.

سمات النظم الكلبتوقراطية

  1. الفساد المنهجي: الفساد ليس مجرد استثناء، بل هو جزء من بنية النظام، حيث يتم توزيع المناصب والثروات على أساس الولاء وليس الكفاءة.
  2. نهب الموارد العامة: توجيه عائدات الدولة، وخاصة من النفط، المعادن، الضرائب، أو المساعدات الدولية، لخدمة مصالح النخبة الحاكمة.
  3. القمع السياسي: إسكات المعارضين والصحفيين المستقلين لمنع كشف الفساد.
  4. تضليل الرأي العام: السيطرة على الإعلام لنشر بروباغندا تُبرّر الفساد أو تُخفيه.
  5. اقتصاد زائف: تُوجَّه الاستثمارات نحو مشاريع غير منتجة تخدم مصلحة المسؤولين، مثل البنية التحتية الفاسدة أو الصفقات الوهمية.
  6. تبييض الأموال: تهريب الأموال المنهوبة للخارج عبر البنوك السرية والشركات الوهمية.
  7. توريث الحكم: غالباً ما تحاول الأنظمة الكلبتوقراطية ضمان استمرار الحكم داخل دائرة ضيقة من العائلات أو الموالين.

 

كيف تحافظ الكلبتوقراطية على حكمها؟

  1. خلق شبكة محسوبية: توزيع المناصب والامتيازات على المقربين لضمان ولائهم.
  2. تأجيج النزاعات الداخلية: استخدام سياسات فرق تسد لإشغال الشعب بالصراعات العرقية أو الطائفية.
  3. إضعاف المؤسسات: القضاء على القضاء المستقل، إضعاف البرلمان، وتحويل الجيش إلى أداة لحماية النظام بدلاً من حماية الدولة.
  4. السيطرة على الاقتصاد: التحكم في القطاعات الحيوية مثل النفط، التعدين، والبنوك، لضمان تدفق الأموال للنخبة.
  5. القمع والترهيب: السجون السياسية، التعذيب، والاغتيالات أحياناً لمنع أي تهديد للحكم.
  6. التحالف مع قوى دولية: بعض الأنظمة الكلبتوقراطية تحافظ على دعم القوى العظمى عبر تقديم امتيازات اقتصادية أو جيوسياسية.

 

أسوأ الأنظمة الكلبتوقراطية عبر التاريخ

  1. جمهورية الكونغو الديمقراطية تحت حكم موبوتو سيسي سيكو (1965-1997)
  • نهب البلاد بمليارات الدولارات، بينما عاش الشعب في فقر مدقع.
  • أنفق أموال الدولة على قصوره الفاخرة وحياته الباذخة في أوروبا.
  1. الفلبين تحت حكم فرديناند ماركوس (1965-1986)
  • سرق حوالي 10 مليارات دولار من أموال الدولة.
  • حكم البلاد بالأحكام العرفية، وقمع المعارضة بشدة.
  1. هاييتي تحت حكم عائلة دوفالييه (1957-1986)
  • الأب والابن (فرانسوا “بابا دوك” وجان كلود “بيبي دوك”) نهبوا مليارات الدولارات.
  • استخدموا ميليشيات سرية (التونتون ماكوت) لإرهاب الشعب.
  1. نيجيريا في عهد ساني أباشا (1993-1998)
  • سرق حوالي 5 مليارات دولار من خزينة الدولة.
  • حكم بقبضة حديدية، وقمع المعارضين بعنف.
  1. روسيا في ظل الأوليغارشية (التسعينيات وما بعدها)
  • بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، استولى الأوليغارشيون المدعومون من الدولة على أصول بمئات المليارات.
  • استمرت سياسات النهب في ظل الحكومات المتعاقبة.
  1. العراق تحت حكم صدام حسين (1979-2003)
  • استخدم عائدات النفط لتمويل حروب عبثية وبناء القصور بينما عانى الشعب من العقوبات الاقتصادية.
  • استخدم أجهزة الأمن لقمع أي معارضة.
  1. نظام السودان (1989-2019)
  • خلال حكم عمر البشير، نهب النظام أكثر من 72 مليار دولار من عائدات النفط، وتم تهريب جزء كبير منها إلى الخارج عبر شبكات فساد معقدة.
  • تم تمكين المحاسيب اقتصادياً عبر إنشاء شركات تابعة للحزب الحاكم تعمل كواجهات لغسيل الأموال والاستيلاء على أموال الدولة.
  • استخدمت أجهزة الأمن والمخابرات وكتائب الظل لترهيب الشعب، قمع الاحتجاجات، وتنفيذ عمليات اغتيال وتعذيب للمعارضين.
  • تم تدمير المؤسسات الاقتصادية عبر التمكين الحزبي، حيث احتكر الموالون للنظام المناصب الرئيسية، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد.
  • استمرت عمليات النهب حتى سقوط النظام في ثورة ديسمبر 2019، ليكشف بعدها حجم الفساد الهائل الذي أفرغ خزينة الدولة وأدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية.

الخلاصة

الكلبتوقراطية ليست مجرد فساد عابر، بل نظام حكم قائم على السرقة المنظمة لموارد الدولة. بفضل القمع والتضليل، قد تستمر هذه الأنظمة لعقود، لكنها غالباً ما تنهار تحت ضغط الانتفاضات الشعبية أو الصراعات الداخلية، تاركة وراءها شعوباً فقيرة، واقتصادات منهارة، ومؤسسات ضعيفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!