*انتخاب علي كرتي لرئاسة التيار الإسلامي العريض ليس حدثاً عادياً، بل تأكيد جديد على أن الحركة الإسلامية السودانية لا تزال أسيرة لمركزية الشمال الجغرافي، لا ترى في الأطراف سوى أدوات للحشد أو وقوداً لمعاركها ، فمنذ نشأتها، لم تفرز هذه الحركة قيادة مركزية واحدة من الهامش أو الغرب أو الجنوب، وكأن الجغرافيا وحدها تُقرر الأهلية للزعامة.*
*من علي عثمان محمد طه إلى الزبير محمد الحسن، ظل خط الزعامة محصوراً في دائرة جغرافية ضيقة، تحكمها عقلية الوراثة التنظيمية والقبضة الأمنية لا الكفاءة ولا التجديد ، كلا الرجلين جسّد هذا النمط؛ علي عثمان بحساباته المغلقة على محيطه ومشروعه السلطوي، والزبير بحفاظه على البنية العميقة التي تستبعد أي انفتاح نحو الآخر، خاصة من خارج المركز .*
*حتى عندما خرج زعيم بحجم حسن الترابي من هذا القيد، وحاول أن يُحدِث توازناً سياسياً وتنظيمياً، تم الانقلاب عليه من داخل الحركة ذاتها ، ليس لأنه أخطأ سياسياً، بل لأنه حاول كسر مافيا المركز الإسلامي المحصنة، التي تخشى من تقاسم السلطة مع أبناء الوطن الآخرين.*
*هذه المافيا غير المعلنة، التي تدير التيار من خلف الكواليس، تُغلف خياراتها بشعارات الوحدة و الثوابت، بينما جوهرها هو الإقصاء، والخوف من التغيير الحقيقي ، إنها شبكة مصالح تخشى الوجوه الجديدة لأنها قد تفضح تواطؤها مع الدولة العميقة، وتكشف روابطها المعقدة مع مراكز النفوذ والتمويل المشبوه.*
*وهنا، لا بد من دعوة صريحة لقاعدة التيار الإسلامي: تحرروا من التبعية العمياء، واكسروا القيد الذي جعلكم مجرد قطيع يُقاد باسم السمع والطاعة، لا باسم الوعي والمصلحة العامة ، التنظيم ليس ديناً، والولاء ليس عبادة ، آن أوان أن تقولوا “لا” حين تُقصى المناطق وتُحتكر الزعامة، حين تُصنع القيادات في الغرف المغلقة بعيداً عن إرادتكم.*
*آن أوان أن تنفصلوا عن تلك الطبقة التي تستغل مشاعركم الدينية لتأبيد سلطتها، بينما تحرمكم حتى من مجرد الحلم بالقيادة.*
*التيار الإسلامي في السودان لا يعاني من أزمة رؤية، بل من أزمة عدالة داخلية ، وهو ما يفسر امتناعه الدائم عن مشاركة أبناء الأطراف في القيادة، ليس لضعف الكفاءة، بل لأنهم ليسوا من جغرافيته
