السودان بين نيران الحرب الإسرائيلية الإيرانية: صراع خارجي يعمّق الجراح الداخلية
عمار سعيد - باحث متخصص في الشأن السياسي السوداني

مع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل وتحولها من حروب بالوكالة إلى احتمال اندلاع مواجهة مباشرة، تزداد المخاوف من أن تتسع رقعة الصراع لتشمل ساحات جديدة في المنطقة. وبين هذه الساحات، يلوح اسم السودان بوصفه دولة هشة سياسيًا، منهكة أمنيًا، ومكشوفة استراتيجيًا على شواطئ البحر الأحمر، مما يجعله مرشحًا لأن يكون إحدى جبهات الاشتباك غير المباشر بين القوتين.
لكن المخاوف لا تنبع فقط من موقع السودان الجغرافي أو هشاشته الداخلية، بل من علاقة تاريخية ممتدة ومعقدة ربطت النظام السوداني، خاصة في ظل الحكم الإسلامي، بالنظام الإيراني، ومن تنسيقات عسكرية وأمنية يجري الحديث عن عودتها اليوم بين الجيش السوداني والحرس الثوري الإيراني في ظل الحرب الحالية.
إرث العلاقة السودانية الإيرانية: تحالف أيديولوجي وعسكري
منذ تسعينيات القرن الماضي، وُثّقت علاقة استراتيجية بين نظام الإنقاذ الإسلامي في السودان، بقيادة عمر البشير، ونظام ولاية الفقيه في طهران. تجلّت هذه العلاقة في جوانب أيديولوجية تمثّلت في تقارب الرؤى الإسلامية السياسية، وتجلّت عمليًا في تنسيق عسكري واستخباراتي تمثل في:
دعم إيراني سخي لتسليح الجيش السوداني ومليشيات الدفاع الشعبي.
إنشاء مصانع عسكرية مثل مجمع اليرموك الصناعي الذي اتُّهم بإنتاج أسلحة لحماس تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، قبل أن تقصفه إسرائيل في 2012.
استخدام الأراضي السودانية كمعبر للأسلحة إلى غزة ولبنان عبر مصر وسيناء.
وعلى الرغم من إعلان السودان قطع العلاقات مع إيران في 2016، إلا أن الوقائع الحالية تشير إلى تنسيق غير معلن عاد ليطل برأسه بين الجيش السوداني والحرس الثوري، عبر بوابات مشتركة في التسليح وتبادل المعلومات.
تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية على السودان
1. عودة السودان كساحة للمواجهة غير المباشرة
في حال اندلاع مواجهة شاملة، فإن إسرائيل قد تستهدف مراكز نفوذ إيرانية أو حليفة في السودان، خاصة إذا أعادت إيران تموضعها الاستخباراتي أو العسكري هناك. والتاريخ ليس بعيدًا عن غارات الطيران الإسرائيلي على شرق السودان، ما يجعل احتمالية تكرارها قائمة بشدة.
2. تمدد النفوذ الإيراني عبر البوابة السودانية
الانقسام السياسي والعسكري داخل السودان يوفر فرصة لإيران لاختراق الجبهة الداخلية، عبر دعم أحد الأطراف (الجيش أو فصائل موالية له) من خلال المال أو السلاح أو التقنية، بما يخدم استراتيجيتها ضد إسرائيل والغرب.
3. تعقيد المسار الدبلوماسي السوداني
محاولة السودان السابقة للانضمام إلى “اتفاقات إبراهام” والتطبيع مع إسرائيل باتت أكثر هشاشة. أي تورط فعلي أو رمزي للجيش السوداني في دعم إيران، أو حتى سكوت ضمني عن استخدام أراضيه أو موانئه من قبل طهران، سيعيد السودان إلى مربع العزلة الدولية.
4. خطر على الأمن البحري والاقتصاد
البحر الأحمر لن يكون بعيدًا عن ساحة الصراع. إذ قد تحاول إيران عبر حلفائها ضرب المصالح الإسرائيلية أو الأمريكية في مضيق باب المندب، ما يعني أن السودان سيصبح جزءًا من خريطة الخطر الملاحي، خاصة إذا استُخدمت موانئه أو مياهه الإقليمية كممرات أو قواعد لوجستية.
الداخل السوداني: صراع يتغذى من الخارج
تتشابك خيوط الأزمة السودانية الداخلية مع الصراعات الإقليمية، ولا يمكن فصلها عنها. إذ إن:الجيش السوداني، الساعي لدعم عسكري خارجي في ظل المعارك ضد قوات الدعم السريع، قد يرى في إيران مصدرًا مستعدًا وغير مشروط للدعم، كما حدث سابقًا.
قوات الدعم السريع بدورها قد تحاول تقديم نفسها كقوة “محايدة” أو “مناهضة للمشروع الشيعي”، بهدف كسب رضا الخليج أو أطراف غربية.
كلا الطرفين قد يتحولان إلى وكلاء في صراع دولي أكبر، ما سيعني إطالة أمد الحرب، وزيادة تعقيد فرص الحل.
نداء للحياد الاستراتيجي
يبدو أن السودان، الذي بالكاد يتنفس وسط نيران حرب أهلية طاحنة، على وشك أن يُجر إلى مستنقع إقليمي أكبر لا طاقة له به. وأمام القيادات السودانية – إن بقي شيء من التعقل – مسؤولية اتخاذ موقف وطني يحفظ البلاد من أن تكون أداة في معركة ليست معركتها.
الحياد، وإن بدا صعبًا، يبقى الخيار الأذكى، إذ إن الاصطفاف في هذه الحرب الإسرائيلية الإيرانية لن يُنتج إلا مزيدًا من الانقسامات، والمزيد من الدماء، على أرض أنهكها الصراع وفقدت بوصلتها الوطنية.