في زمن هروب السلطة الانقلابية من العاصمة… والي الخرطوم يُدين أطفال المايقوما بلا ذنب
السفير عادل إبراهيم مصطفي

صرّح والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، بأن “دار المايقوما لن تعود بوجهها السابق”، متهماً هذه الدار — التي وُجدت لإيواء الأطفال فاقدي السند — بأنها تشجع على إقامة علاقات خارج إطار الزوجية. تصريح صادم، لا لسطحيته فقط، بل لأنه يعكس فهماً مقلوباً لأسباب الظواهر الاجتماعية، ويعيد إنتاج عقلية اللوم الأخلاقي بدلاً من تشخيص الأزمة في جذورها الحقيقية.
هل وجود مأوى إنساني للأطفال الذين جاؤوا إلى الحياة دون ذنب، هو ما يشجع على “الرذيلة”؟ أم أن غياب العدالة الاجتماعية، واستشراء الفقر، وسقوط الدولة في براثن الفساد والمحسوبية هي التي أضعفت النسيج الأخلاقي للمجتمع؟ الواقع أن دار المايقوما لم تكن يوماً سبباً، بل كانت استجابة إنسانية لأعراض نظام مريض.
من المثير للسخرية أن يُحمَّل مأوى الأطفال مسؤولية أخلاقية، بينما لا يُسأل النظام الذي قاد البلاد لثلاثة عقود من الفشل — النظام الذي رفع شعارات الإسلام وحكم بقوة البندقية، فحوّل الدين إلى أداة للبطش والتكسب، والمجتمع إلى غابة من الصمت والذل.
قبل وصول الإسلاميين إلى السلطة، لم يكن في الخرطوم دار مثل “المايقوما”، لا لأن “الرذيلة” لم تكن موجودة، بل لأن المجتمع كان أكثر تماسكا، والدولة أكثر إنصافا، والناس أقرب فطرةً إلى الدين من دون شعارات زائفة. آنذاك، بالرغم من أن البارات مفتوحة وبيوت الرذيلة علنية، لكن لم نكن نشهد أطفالاً يُرمَون على الطرقات، ولا نساء يلدن في الخفاء، ثم يُطاردن بوصمة العار.
المطلوب من حكومة الولاية، إن كانت جادة، ليس إغلاق الدار بل إصلاح بيئة الدولة والعدالة والتعليم والصحة، كي لا نحتاج إلى مزيد من دور الإيواء.
أما أن نحاكم الضحية ونبرئ الجلاد، فذلك منطقٌ لا يصدر إلا عن عقل يهرب من الحقيقة.