رأي

الإيجار بإذن أمني؟ أربجي تحت قبضة مليشيات الإخوان

محمود كاربينو

في وثيقة غريبة تحمل طابعاً سلطوياً صريحاً، أصدرتها ما تُسمى بالمقاومة الشعبية والإستنفار محلية الحصاحيصا بتاريخ 12 مايو 2025، فُرضت تعليمات تلزم سكان منطقة أربجي بالحصول على موافقة أمنية قبل إجراء أي إيجار جديد، مع إخضاع المستأجر للفحص الأمني والموافقة المسبقة من لجنة تتبع لتلك الجهة ، هذه ليست سوى واحدة من تجليات عقلية أمنية مستبدة، تنتمي بالكامل للمدرسة القمعية التي أنشأها نظام الحركة الإسلامية، وتُمارس الآن عبر مليشياتها المسلحة التي أعادت إنتاج ذات أدوات القمع القديمة بلبوس “المقاومة”.

إن ما يجري في أربجي ليس تنظيماً إدارياً ولا حماية مجتمعية، بل احتلال فعلي تمارسه مليشيات تتبع لما تبقى من جيش الحركة الإسلامية، تحت لافتات زائفة ، هذه الجماعات المسلحة تُمارس اليوم الوصاية على أراضي المواطنين وحقوقهم الأساسية، وتمنح نفسها سلطة تقرر من يسكن ومن لا يحق له، في انتهاك فج لكل القيم الإنسانية والقوانين ، ليست هناك مناطق محررة، بل هي مناطق مختطفة ومحتلة من قبل جماعات أمنية لا تختلف عن أي قوة قمعية أخرى تعادي حرية الناس وتفرض عليهم نمط حياة مرهوناً برضا الأجهزة.

تحويل الإيجارات إلى ملف أمني هو تعبير عن منطق شمولي يرى في كل تحرك مدني خطراً يجب التحكم فيه، بل وتطويعه لخدمة سلطة الأمر الواقع ، لا أحد ينتخب هذه اللجان، ولا أحد يراقبها، ومع ذلك تُصدر قرارات تتحكم في حركة المواطنين، وتخلق بيئة مرعبة تُعيد إلى الأذهان أسوأ فترات البطش والتجسس والتخوين.

الخطر الأكبر أن هذا التمدد الأمني يجري في ظل غياب كامل للدولة، بل أحياناً بتواطؤ بعض أجزائها، مما يجعل الناس بين فكي كماشة سلاح المليشيا من جهة، وغياب العدالة من جهة أخرى ، لقد حولت هذه الجماعات أربجي إلى سجن مفتوح، لا يمر فيه أحد دون بطاقة أمنية أو فحص نوايا، وكأننا في عهد الاستعمار أو داخل ثكنة عسكرية لا مدينة يسكنها أحرار.

مثل هذه السياسات لا تبني دولة، بل تجهز على ما تبقى منها، وتحول المجتمع إلى رهينة تحت سلطة مليشياوية لا تؤمن بالقانون ولا بالدستور ولا بحقوق الإنسان ، ولا يمكن قراءة هذه الوثيقة بمعزل عن مشروع أوسع تسعى من خلاله الحركة الإسلامية لإعادة فرض هيمنتها على المجتمعات السودانية عبر أدوات التخويف والعسكرة والتفتيش اليومي في النوايا.

آن الأوان لفضح هذا العبث، ورفض أي صيغة للعيش تفرضها علينا بنادق الإخوان، لأن من يمنعك من السكن اليوم، سيمنعك غداً من أن تعيش أو تحلم أو تفكر ، وهذه ليست مقاومة، بل احتلال داخلي كامل يجب أن يُقاوم بكل وضوح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!