
في فداسي، مساء
دخل أبناء امرأة وشباب من الحي بيتا كان يفترض أن يكون بيتا
فوجدوا رائد شرطة، عاري الصدر، غارقا في ممارسة الرذيلة مع والدتهم
في مشهد صادم
ليس لأنهم ضبطوا رجل أمن في وضع مخل
بل لأن الدولة كلها كانت منطرحة هناك
بلا هيبة، ولا أخلاق، ولا قانون
في منتصف الغرفة
كان الرائد يمسك مسدسا بيده اليمنى
وبيده الأخرى يغلق سحاب بنطاله
تلك يد لا تمسك السلاح لتحمي، بل لتُرهب وتستر العورة
يد تسقط عنها الشرعية، حتى ولو رفعت شارة النصر
لم يرتبك
لم يحاول أن يختفي
بل وقف بكل بجاحة
والسلاح في يده
كأنه يقول
(طالما في يدي سلاح
فلا امرأة في هذه البلاد تحرم علي
ولا عورة تدينني
ولا قانون يطالني)
لم تكن المرأة خائنة
بل كانت محاصرة بين سلطة تفتش البيوت
وتوزع التهم
(متعاونة)
(جاسوسة)
(مخترقة)
فكانت مجبرة على الاستسلام
لا حبا، ولا رغبة
بل درءا لمصير أسوأ
أن تنتهك أمام أولادها بالقوة
أو يسحبون هم إلى مصير لا رجعة منه
هذا المشهد ليس حادثة أخلاقية
ولا خيانة زوجية
ولا دعوة للإصلاح الاجتماعي
بل هو وثيقة سياسية كاملة
تشهد على انهيار دولة
حين يصير سلاحها أداة للابتزاز الجنسي
وسلطتها غطاء للانحلال
ومناصبها مراتب للاغتصاب المعنوي
وفي تلك اللحظة الفاضحة
التي كانت توثق فيها عورة الضابط وعدمية النظام
كان كامل إدريس، رئيس وزراء حكومة الأمر الواقع
يقف بكامل هندامه أمام الصحافة
يتحدث عن الانتقال
والسلام
ودولة المؤسسات
أي سلام هذا
وأي انتقال
والمرأة السودانية تساوم على جسدها لتنجو من فوهة سلاح
والضابط الذي يفترض أن يحميها
يقف نصف عار
يمسك مسدسا بيد
ويغلق بنطاله بالأخرى
أي سلطة هذه
إن لم تكن سلطة الأمر الواقع
فما هو الواقع إذن
الواقع هو أن النساء لم يعدن في مأمن
وأن البيوت تفتش لا بحثا عن سلاح
بل عن خضوع
وهل نحتاج أن نسأل
كم امرأة في الخرطوم ونيالا وكوستي والدلنج
مرت بهذا الموقف ولم توثق الكاميرا ما جرى
كم أم (تعاونت) مع العسكري
لا لأنها تريد
بل لأنها لا تملك غير جسدها لتؤجل به المجزرة
لهذا نقول
الكرامة لا تصان بسلاح
بل تحمى بالسلام
والكرامة لا تحضر في مؤتمرات
ولا تولد من خلف المنصات
ولا تمشي على سجادة حمراء
الكرامة تحفظ حين لا تقف امرأة أمام أبنائها
تغطي صدرها بعباءتها
بينما الرائد يضبط زر بنطاله
وفي يده الأخرى
رخصة دولة كاملة اسمها السلاح
فإن لم يكن هذا مشهدا سياسيا يستحق المحاكمة
فما السياسة إذن
وما الحرب، إن لم تكن هذا تحديدا
وفي النهاية
لا نخاطب رجلا عاري الصدر فقط
بل نخاطب حكومة كاملة
عارية من المسؤولية
عارية من الأخلاق
عارية من الحد الأدنى من الإنسانية
حكومة الأمر الواقع
التي تقتل دون محاكمة
وتهجر دون رحمة
وتشيطن المواطنين بخطابها العنصري السمج
حتى صار مجرد حمل مظلة تقيك من حر الحرب
أمرا يأتي بشق الأنفس
هي المسؤولة الأولى
عن كل يد انفلتت
عن كل رصاصة لم تسأل
عن كل بيت اقتحم
عن كل امرأة فرض عليها الصمت
وفي كل مرة يعلو فيها صوت الكراهية
وتبرر الإبادة
ويفتح المجال لقطع الرؤوس وأكل الأكباد
فلا تسألوا عن الضحايا
اسألوا عن السلطة التي زرعت هذا الوحش
وسمته وطنيا
نقولها اليوم
من فداسي إلى آخر بيت انكسر
إن هذا ليس سلوكا فرديا
ولا حادثة معزولة
بل هو نظام كامل
يعرف كيف يغلق السحاب
لكن لا يعرف كيف يحفظ الوطن
لأن الوطن لا تنقذه يد لا تمسك السلاح لأجل شعبها، بل لأجل نزوتها..
manal002002@gmail.com