رأي

حين صمت البرهان وتكلم حميدتي: قطر تعرف من يقف معها!

عمار سعيد

في مشهد إقليمي شديد الحساسية، وجدت السلطة الانقلابية في بورتسودان نفسها في موقف دبلوماسي لا تُحسد عليه، عقب الهجوم الإيراني على دولة قطر. فبينما سارع عدد من الدول العربية والإسلامية لإدانة الاعتداء بشكل واضح وصريح، جاءت استجابة سلطة بورتسودان باهتة ومحرجة، لا تتجاوز 12 كلمة، صادرة من موظف بدرجة سفير في بعثة دولية، بلا توقيع رسمي من رئيس الوزراء المكلف أو قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
هذا الموقف الخجول يكشف بوضوح حالة الارتهان المتزايدة للسلطة الانقلابية لإيران، ويطرح تساؤلات جادة حول مدى استقلالية القرار السياسي في بورتسودان، خاصة وأن الرد الرسمي تجنب تماماً الإشارة إلى إيران أو الحرس الثوري، رغم الأدلة المتزايدة على الدعم العسكري الإيراني للجيش السوداني، من خلال الطائرات المسيّرة، والخبراء، والتسليح، وربما ما هو أبعد من ذلك.

تصريح واضح من الدعم السريع وتحالف تأسيس

في المقابل، برز موقف واضح ومتقدم من قبل قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، الذي أدان الهجوم الإيراني على قطر دون مواربة، مستنكراً الاعتداء على سيادة دولة عربية شقيقة، وداعياً إلى وقف التدخلات الإيرانية في شؤون الدول. كذلك، جاء بيان تحالف السودان التأسيسي “تأسيس” حازماً، حيث أدان الهجوم الإيراني بعبارات مباشرة، مشيراً إلى خطورة الطموحات الإيرانية في زعزعة استقرار المنطقة، ودعمها العابر للحدود للجماعات المسلحة والإرهابية، وسعيها للحصول على أسلحة نووية.

هذا التباين في المواقف يوضح، من جهة، المسافة التي قطعتها قوات الدعم السريع وتحالف تأسيس نحو إعادة تموضعها إقليمياً على نحو أكثر اتساقاً مع المواقف العربية، خاصة الخليجية، ويؤشر من جهة أخرى على عزلة السلطة في بورتسودان، وارتهانها لمحاور إقليمية مشبوهة.

قطر والسودان: علاقة راسخة وفرصة للتجديد

إن موقف قطر الداعم للسودان ليس طارئاً أو مرتبطاً بالتحولات الحالية. فقطر كانت من أبرز الداعمين لاستقرار السودان، منذ ما قبل الحرب وقد زارها قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة قبل الحرب اجرى فيها محادثات مهمة . وقد لعبت دولة قطر دوراً محورياً في اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور، وموّلت مشاريع تنموية عملاقة في الإقليم، بل إن زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لدارفور في 2017 كانت الأولى من نوعها لزعيم عربي، وعبّرت عن التزام قطر السياسي والإنساني تجاه الشعب السوداني.

منشآت البنية التحتية، القرى النموذجية، ومشاريع المياه والزراعة، التي موّلتها الدوحة في دارفور، ساهمت بشكل ملموس في إعادة الإعمار، وتشجيع العودة الطوعية، واستقرار المجتمعات المتأثرة بالنزاع. وهي أدوار تتجاوز المواقف السياسية لتلامس جوهر الأمن الإنساني.

الفرصة أمام الدعم السريع وتحالف تأسيس

الموقف الواضح الذي عبّر عنه حميدتي وتأسيس يمنح قطر نافذة سياسية جديدة لإعادة رسم علاقتها مع القوى الصاعدة على الأرض في السودان، أي قوات الدعم السريع وتحالف تأسيس. فبينما انكفأت السلطة الانقلابية في بورتسودان على حلفاء مثل طهران وتركيا وبعض دول الجوار، فإن الدعم السريع يبدو أكثر انفتاحاً على الشراكات الخليجية، وأكثر وعياً بأهمية التوازنات الإقليمية، لا سيما مع القوى التي تملك تأثيراً دبلوماسياً وإنسانياً واسعاً مثل قطر والإمارات والمملكة العربية السعودية

هذه لحظة مناسبة، بل ضرورية، لإعادة تمتين العلاقة بين قطر والفاعلين الجدد في السودان. فدور قطر يمكن أن يتجاوز الدعم الإنساني، ليشمل مساراً سياسياً جديداً يدفع نحو السلام والتحول المدني، ويمنحها موطئ قدم مؤثر في ملف من أعقد ملفات الأمن الإقليمي.

تصريحات السلطة الانقلابية الهزيلة ليست مجرد تعبير عن عجز دبلوماسي، بل انعكاس لانحياز استراتيجي مقلق نحو محور يُهدد استقرار المنطقة. وفي المقابل، فإن المواقف الحاسمة من الدعم السريع وتحالف تأسيس تفتح الباب أمام شراكة جديدة وواعدة مع دولة مثل قطر، التي أثبتت عبر السنوات التزامها الأخلاقي والسياسي تجاه السودان.

على الدوحة أن تستثمر هذا التمايز، لا فقط لإعادة تمتين حضورها في السودان، بل للمساهمة في إعادة تشكيل توازن القوى بما يخدم مصالح الاستقرار والسلام في هذا البلد المنكوب بالحرب والانقسامات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!