رأي

كبار السن في مقاعد القرار والشباب في مقبرة الانتظار

منال علي محمود

في اللحظة التي ينتظر فيها شعب السودان بريقًا يشبه ثورته، جاءت الأخبار باردة كعادة الحكومات المفروضة.
تعيينات جديدة بأسماء قديمة، ووجوه شاخت على هامش الفعل، تعكس بؤس الخيال وضيق الأفق.
فوق الركام تخرج التعيينات كأنها نكتة سياسية.
وزير دفاع تجاوز السبعين، وآخرون من جيل تقليدي لم يعد يواكب ما تتطلبه المرحلة، وكأن السودان لا يزال ساحة معركة بين أوهام الماضي ومتطلبات الغد.

لسنا بصدد تقييم حكومة أو الاعتراف بها أو رفضها.
ما يُطرح اليوم هو جزء من مشهد نرصده كمواطنين يهمهم مصير وطنهم.
مشهد يعاد فيه ترتيب المقاعد، بينما قواعد اللعبة لم تتغير، وإن تغيّرت الوجوه أحيانًا.

تظل بعض المناصب محجوزة كما لو كانت ميراثًا عائليًا.
ولعل أبرزها وزارة المالية والمعادن، التي ظلّت حكرًا على الحركات المسلحة منذ اتفاق جوبا، دون مراجعة أو محاسبة.
السكوت عن هذا التمكين لم يكن عن رضا، بل لأن مجرد المساس به يعني فتح (الصندوق).
وذاك الصندوق الذي يحوي تفاهمات غير معلنة، توازنات دقيقة، وترتيبات مخيفة.
صمت كثيرون، لا عن قناعة، بل لأنهم يعرفون أن الكلفة السياسية قد تكون باهظة.

أمة تقصي شبابها، تقبر مستقبلها.
ملفات الإنتاج والتنمية والتحول الرقمي تحتاج إلى عقول شابة تمتلك الطاقة، وروح التجريب، ولا تخاف من الجديد.
لكن ما نراه هو إعادة تدوير الحذر والشك على يد من تجاوزهم الزمن السياسي، فعادوا بذاكرة الأمس لإدارة تحديات اليوم.

دعونا نواجه الحقيقة بلا مجاملة:
هذه ليست حكومة أمل، بل حكومة تأجيل وتجميد.
كل اسم فيها يقول: السودان ليس أولوية، الشباب ليس شريكًا، والثورة مجرد شعار.
لا أحد خرج من صفوف الثورة، ولا أحد يمتلك ذاكرة الميدان.
هذه تركيبة لا تصنع مشروعًا، بل ترمم أطلال نظام يحتضر.

التغيير الحقيقي يفتح الأبواب لجيل جديد،
أما إعادة التدوير فهي محاصرة للفرص، وتكريس لثقافة الوصاية.
نحن لا نعترض على أعمار الناس، لكننا نرفض أن يدار حاضرنا بعقلية لم تُختبر في تحديات اليوم، ولم تبنَ على فهم الواقع المتحوّل.

الشباب في السودان لم يُعطَ الفرصة.
طُلب منه فقط أن يصبر، أو يحلم، أو يضحّي.
لكننا اليوم نؤمن أننا لسنا أبناء انتظار، بل أصحاب حق في المشاركة والتغيير.

الجيل الذي أشعل الثورة لا يُدار بالنيابة.
وكل حكومة تتجاهله ستسقط، لأنها ببساطة ضد الحياة، وضد منطق المستقبل.

لماذا لا نرى وطنًا يمشي بإيقاع أبنائه؟
لماذا كلما اقتربنا من صوت الحياة، سُحب البساط تحت أقدامنا بقرارات تُصنع في عزلة؟

في كل القطاعات هناك حد عمري لضمان الكفاءة وسرعة الاستجابة.
وحده الحكم العام تُفتح أبوابه بلا قيد، وكأن إدارة الوطن تحتاج فقط إلى ماضٍ طويل، لا حاضر فيه ولا أفق.

لا أحد يرفض الاحترام الواجب لمن خدموا الوطن في وقتهم.
لكن هذا الزمن له متطلباته، وله أدواته، وله جيله.
منصب الوزير ليس مجاملة، ولا عزومة ضباط متقاعدين.
بل مسؤولية سيادية تُمنح على أساس الرؤية والقدرة على الإنجاز.

نقولها بوضوح:
هذا زماننا.
ولا نقبل بأن يُدار بأجندات لم تعد قادرة على الفعل، بل فقط على إدارة التوازنات وحفظ النوع.
نحن لا نطلب اعترافًا، بل نعلن أننا أصحاب الحق.
ومن لا يرى ذلك، فليتنحّ.

لا مكان بعد اليوم لحكومات تُصنع في الغرف المغلقة،
ولا لصفقات توزع على رفاق الماضي.
من لا يملك مشروعًا لهذا الجيل، لا يحق له أن ينطق باسمه.
ومن لا يواكب إيقاعه، فليفسح الطريق لمن يحملون الحلم والجرأة والكفاءة.

فلا تحكمونا عليه كعقوبة إضافية.

 

manal002002@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!